غاندي مبتسماً

غاندي مبتسماً!

غاندي مبتسماً!

 العرب اليوم -

غاندي مبتسماً

حسين شبكشي
بقلم - حسين شبكشي

مع كتابة كلمات هذا المقال يبدو المشهد السياسي في المملكة المتحدة بخصوص حسم اختيار رئيس الوزراء القادم فيها لمصلحة وزير الخزانة الأسبق ريتشي سوناك، نظراً لحصوله على العدد المطلوب من أصوات النواب ما لم تحدث مفاجأة غير متوقعة في اللحظة الأخيرة.
ريتشي سوناك ذو الأصول الهندية يُعدّ قصة نجاح مهمة تظهر الاندماج لأبناء المهاجرين القادمين من المستعمرات السابقة إلى بريطانيا؛ فهو تخرج في أهم المنظومات المدرسية والجامعية، وكان له تاريخ مهني مهم في سوق لندن المالية المعروفة.
ولكن بطبيعة الحال هناك رمزية هائلة لا يمكن الهروب من التركيز عليها، وهي أن الهند تعود مجدداً في واجهة المشهد البريطاني، بعد أن كانت ولفترة طويلة جداً تحتل عناوين الأخبار إبان ذروة حقبة الاستعمار البريطاني، باعتبارها كانت جوهرة التاج وأهم مصادر الاقتصاد البريطاني وأبرز المستعمرات فيها، ومن خلالها وبسببها تم تأسيس شركه شرق الهند التي تحكمت في معظم الحراك التجاري حول العالم، وكانت في ذروتها وقتها أكبر كيان اقتصادي في العالم محدثة سيطرة مطلقة على أسواق العالم بشكل كبير، وهو الذي جعل المؤلف البريطاني المعروف وليام دالريمبل أن يصف الشركة بالفوضى كعنوان لكتابه الشهير الذي استعرض فيه تاريخ الشركة المعقد.
وليس مشهد الاحتمال الكبير لفرضية أن يكون ريتشي سوناك هو الساكن الجديد للعاشر من شارع داونينغ، مقر رئيس الوزراء البريطاني، هو الدلالة الوحيدة على نمو التأثير الكبير للمهاجرين ورؤوس الأموال الآتية من شبه القارة الهندية، فعمدة العاصمة البريطانية صادق خان رمز آخر لذلك.
وكذلك الأمر فيما يخص صناعات الحديد والصلب في بريطانيا، والتي كانت مدينة شيفيلد عاصمة الصلب في العالم ذات يوم، آلت اليوم معظمها إلى مجموعة «ميتال الهندية»، والشيء نفسه من الممكن أن يقال بخصوص أيقونتي صناعة السيارات البريطانية «جاغوار» و«رينج روفر» والتي آلت ملكيتهما لمصلحة مجموعة «تاتا» الهندية العملاقة.
هناك إرث كبير جداً من الأسى والمرارة والألم التي خلّفتها تجربة الاستعمار البريطاني في شبه القارة الهندية، ولعل أبلغ من وصف ذلك كان نائب البرلمان الهندي شاشي ثاروور في كتابه الأكثر مبيعاً بعنوان «الإمبراطورية غير المجيدة» والذي يتهم فيه بريطانيا بأنها احتلت الهند وقت كانت الهند تشكل ربع اقتصاد العالم، وخرجت منها بعد أن دمرت اقتصادها ليكون بالكاد ثلاثة في المائة من اقتصاد العالم.
واليوم، تبرز الكتلة الاقتصادية التي تتحدر من مهاجرين من شبه القارة الهندية كأحد أهم القوى الاقتصادية الفعالة والمؤثرة في الاقتصاد البريطاني، خصوصاً فيما يتعلق بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة ولها نفس الحضور المؤثر في القطاعات المهنية التي تشمل المهن الطبية والمحاسبية والهندسية.
شكل بريطانيا يتغير تماماً، واليوم الإرث الاستعماري الطويل بفواتيره المختلفة والمعقدة، ينعكس على تغيير هائل وفي العمق للدولة التي كانت لا تغرب عنها الشمس. يبدو جدياً أن بريطانيا لم تودع الملكة إليزابيث الثانية فقط، ولكنها دفنت معها حقبة تاريخية بأكملها ومع الملك تشارلز الثالث تفتح صفحة جديدة، تعكس الواقع المعاصر والذي بات بينه وبين التاريخ الاستعماري لبريطانيا هوة كبرى.
في الستينات الميلادية من القرن الماضي كانت العاصمة البريطانية تحتضن أحد أهم المعارض الصناعية الدولية، وكان افتتاح المعرض برعاية وحضور الأمير الراحل فيليب زوج الملكة الراحلة إليزابيث الثانية، وهو الذي كان معروفاً بزلات لسانه التي تسبب الإحراج دوماً، وعند وصوله إلى جناح الهند في المعرض ضحك ساخراً وقال باستهزاء «وهل الهند تقدر على صناعة أي شيء؟» اليوم الهند هي الدولة الرابعة من ناحية الثقل الاقتصادي في العالم متفوقة على بريطانيا نفسها.
تحمّل الزعيم الهندي التاريخي، وبطل استقلال الهند عن بريطانيا، غاندي كماّ مهولاً من الإهانات والاستخفاف من ساسة بريطانيا والذين كانوا يرددون باستمرار، هذا الحافي النصف عاري يتحدى الإمبراطورية العظمى؟ وكان غاندي يصمت ويبتسم. أعتقد اليوم لو كان غاندي بيننا وهو يشاهد ابن المهاجرين من بلاده يستعد لدخول مقر رئاسة الوزراء في بريطانيا لابتسم، ولا أستبعد أن يضحك ويقول كارما!

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غاندي مبتسماً غاندي مبتسماً



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab