مع قراءتكم لهذه السطور، يكون الرئيس الأميركي دونالد ترمب، قد عقد أول تجمع انتخابي كبير، والمقدر أن يحضره 19 ألف شخص، منذ تفشي جائحة «كوفيد - 19» في بلاده، وذلك بالصالة الرياضية الكبرى المغلقة في مدينة تلسا بولاية أوكلاهوما.
مدينة تلسا هي المدينة التي درست بها في المرحلة الجامعية، وتقع ضمن إحدى الولايات التي حصل فيها التحول الكبير في حقبة الثمانينات الميلادية من القرن الماضي خلال حملة الرئيس الأسبق رونالد ريغان الانتخابية، التي وصفت هذه الولايات التي تم فيها التحول بـ«ديمقراطيي ريغان»، وبالتدريج تأصل الفكر المحافظ في الولاية بإرثها الاقتصادي المعتمد على صناعة النفط (هي المقر الرئيسي لإحدى أهم شركات النفط «فيليبس بتروليوم»)، وإرثها الإنجيلي الديني (هي أيضاً المقر الرئيسي لإحدى أهم المؤسسات الدينية «جامعة القس أورال روبرتس»). وعمدة تلسا وقتها كان الجمهوري جيم إينهوف الذي قاد المدينة بنجاح ليصعد نجمه بسرعة الصاروخ، ويصبح بعد ذلك سيناتوراً مخضرماً في مجلس الشيوخ، بعد فوزه بأكثر من دورة انتخابية، ليكون أحد أعتى الصقور المحافظة في المجلس.
لم يكن اختيار تلسا اعتباطاً، فهي من المدن التي أصبحت حاضنة لتوجهات الاتجاه المحافظ، وتسعى الآن في سباق محموم ضد مدينة أوستن بولاية تكساس للفوز بالمقر الجديد المنتظر لأحدث مصانع شركة السيارات الكهربائية «تيسلا». ولكن اليوم أميركا تمر بمنعطف استثنائي وانتخابات رئاسية، وصفها أكثر من خبير بأنها قد تكون «الانتخابات الأهم في تاريخ أميركا».
الحال السياسي يظهر انشقاقاً وقطبية لم يعرف لها مثيل من قبل، ولغة التخوين والتخويف في تصاعد محموم، والحال الصحي متأزم في ظل الارتفاع الجنوني لأعداد المصابين وأعداد المتوفين من جائحة «كوفيد - 19». والحال الاجتماعي مقلق، فالعنصرية متفشية، وأصبحت مناهضتها قضية مركزية مجدداً، والفرق هذه المرة أن أعداد المشاركين في المسيرات المنددة لم تعد حصرياً على السود فحسب، بل يشارك فيها الآلاف من الشباب البيض، ما يعني أن المسألة أخذت بعداً وطنياً، وليست محصورة في فئة بعينها.
هناك أيضاً الحال الاقتصادي الخطير، الذي ضرب الاقتصاد الأميركي نتاج تفشي جائحة «كوفيد - 19»، بشكل خطير، ما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة، لتصل إلى 40 مليون مواطن أميركي، مع إغلاق شبه كامل للاقتصاد، الذي بدأ يعود للحياة منذ أيام قليلة فقط.
وفي خطاب انتخابي شهير للرئيس الأسبق رونالد ريغان، خلال حملته الانتخابية الأولى ضد الرئيس جيمي كارتر، قال إن «الركود هو عندما يفقد جارك وظيفته، والكساد هو عندما تفقد أنت وظيفتك، والتعافي عندما يخسر جيمي كارتر وظيفته». من يتحمل مسؤولية كل ما يحدث؟ سؤال سيجيب عنه الناخب الأميركي في نوفمبر (تشرين الثاني)، والمعركة تزداد سخونة مع قرب موعد إعلان المنافس الديمقراطي عن مرشحه لمنصب نائب الرئيس (وقد تكون هذه المرة الأهم التي يترقب الناس فيها اسم المرشح)، نظراً لكبر عمر بايدن، ما يعني دوراً متعاظماً لنائب الرئيس في صناعة القرار.
فترة دونالد ترمب الأولى لم تعرف الاستقرار الإداري في إدارته التي طغى عليها سياسة الباب الدوار، وكانت هناك أدوار موازية لشخصيات خارج المنظومة الإدارية الرسمية أكثر تأثيراً في بعض الحالات. أما خارجياً، فالخلافات مع الشركاء والحلفاء التقليديين كان مثاراً للدهشة والاستغراب.
هناك نجاحات اقتصادية تحسب له، واتفاقه مع الصين كان مهماً، وكان عقبة لافتة في طريق إيران. إلا أن الذاكرة الانتخابية قصيرة وتحكم عادة على آخر المشاهد من الرواية المحكية.
سيكون لافتاً كيف سيتعامل ترمب مع بايدن في المناظرات الانتخابية، وأيضاً كيف سيقبل الحزب الأمر الواقع الذي سيفرض عليه، وذلك بالتصويت عبر البريد، وليس بالحضور الشخصي بالنسبة لعموم الناخبين (بسبب ظروف الجائحة). ملفات ملتهبة لا تزال مفتوحة، وتزداد سخونة بسبب غياب واضح للاهتمام والقيادة الأميركية. الصين والهند ومواجهات مقلقة، توتر متجدد بين الكوريتين، حرب أهلية صريحة في ليبيا مع احتلال تركي على أراضيها. هذه مجرد أمثلة عن «سلبية» السياسة الخارجية الأميركية وغيابها عن الساحة السياسية الخارجية.
ويل روجرز الفيلسوف الساخر الشهير من ولاية أوكلاهوما، الذي عرف بأقواله الشعبية الطريفة والعميقة في آن، قال: «صاحب أفضل وظيفة في البلاد هو نائب الرئيس، كل ما عليه عمله كل صباح هو أن يسأل كيف حال الرئيس»، قد تبدو هذه المقولة ساخرة، ولكن في الفترة الرئاسية المقبلة على ما يبدو أن منصب نائب الرئيس للمرشحين سيكون الأهم.انتخابات مهمة جداً ليس لأميركا فحسب، ولكن للعالم بأسره.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
ترامب يوقع أمرا تنفيذيا يحد من حصانة مواقع التواصل الاجتماعي
ترامب يهدد بإغلاق منصات التواصل الاجتماعي لـ"إسكاتها أصواتا محافظة"