مع الجائحة

مع الجائحة!

مع الجائحة!

 العرب اليوم -

مع الجائحة

بقلم - حسين شبكشي

لا نزال في وسط عين إعصار جائحة «كوفيد- 19» وتبعاته، وبمرور الوقت يتبين لنا بعض «الاكتشافات» المهمة التي تم التعرف عليها؛ إذ اتضح أن إحدى أهم وسائل الوقاية من الفيروس التي اتفقت عليها المراجع الصحية، هي التباعد الاجتماعي، فتوقف انتشار الفيروس والحد من أثره المدمر يتطلب تباعداً اجتماعياً غير مسبوق في تطبيقه، والالتزام به، ولكن إيجاد لقاح ناجع وفعال ومؤثر، وإعادة دوران عجلة الاقتصاد العالمي ومنع حدوث جائحة أخرى بالآثار المدمرة نفسها، سيتطلب تعاوناً لصيقاً ومتكاملاً بشكل غير عادي.
لقد كشفت لنا هذه الجائحة فجوات ضخمة وكبيرة في العالم عموماً، وفي كل بلد ومجتمعاته المختلفة؛ فجوات في مجالات شتى، ليس أولها الخدمات الصحية، ولا آخرها القدرات التقنية الحديثة في مجالات الاتصال.
الاستثمار في التقنية، وتأسيس قوي للبنية التحتية المساندة لها، يبينان (كما ظهر في نتائج تايوان وكوريا الجنوبية وسنغافورة في تعامل كل منها مع الجائحة) أن التقنية سلاح فعال متى ما وُظفت بشكل سليم لحماية المجتمع. تقنية موجودة لتحليل رقمي فوري لبيانات حالات في بلد ما لمعرفة آثارها المتوقعة في بلد ثان بشكل استباقي. تطبيقات يتم استخدامها على الناس لمعرفة دوائر الخطر من العدوى جغرافياً. وأي نقص في كميات مهمة وحرجة لبعض المستلزمات الصحية من الممكن تعويضه بشكل سريع عن طريق الطباعة الثلاثية الأبعاد.
الاستثمار في التقنية هو الذي مكَّن المجتمعات من «التأقلم» بشكل مرن وسريع، فأصبحت قادرة على التعلم والعمل والتسوق والتواصل عن بُعد، وهي في عزلة تامة. ولكن الجائحة هذه أعادت العالم وبشكل صادم ومفاجئ إلى القرن السابع عشر، إلى لحظة صفرية تامة مليئة «بالتجريبيات». حقبة كل شيء فيها غامض، وكل شيء فيها ممكن، وكل الأسئلة مفتوحة تحتمل أي نوع من الإجابات.

لحظات من الحيرة والقلق والشك العلمي العميق، في سباق عنيف ضد المرض والموت، في مشهد شبه أسطوري وخرافي. تبين أيضاً أن النظام العالمي الذي كان قائماً قبل انطلاق الجائحة كان نظاماً ضعيفاً جداً وهشاً للغاية، كما أثبتت الجائحة ذلك لاحقاً، وإن لم تثبت ذلك فإن حدثاً اقتصادياً كان سيؤدي إلى تداعي نظام العولمة الذي كان قائماً، وبالتالي فإن ما صنعته الجائحة أنها سارعت بوتيرة التغيير المنتظرة.
لقد قضت الأزمة المالية في عام 2008 على جزء من النظام المالي العالمي القائم، وهذا الأمر أدركه الناخبون في بريطانيا، وصوتوا لأجل الخروج من الاتحاد الأوروبي بشكل فوري. انتهت موجة التفاؤل الوردي التي سادت حقبة التسعينات وأوائل حقبة الألفية الجديدة الميلادية، لندخل الآن في حقبة تشاؤم غير بسيطة. وهناك من أدرك أن نظاماً جديداً ومختلفاً آخذٌ في التشكل، وأقصد هنا قادة روسيا والصين والهند، إلا أن هذا المعنى يبدو أنه لا يزال غائباً عن الساسة في الغرب.
بالإضافة لكل ما سبق، تسببت الجائحة في إظهار عنصرية بغيضة وعنيفة، تحت شعار براق باسم الوطنية على حساب الهوية المشتركة للعالم، والتي تساهم في التعاون على حلول مشكلات يواجهها الكل ولا تستثني أحداً، مهما كان عرقه أو دينه.
أكبر اقتصادين في العالم، الولايات المتحدة والصين، حولا حالة كارثية على العالم إلى شخصنة للحرب التجارية المستعرة بينهما، والتي تصيب شظاياها العالم بأسره، الأمر الذي سيكون من آثاره الحتمية ارتفاع معدلات الوطنية الشعبوية الهمجية، وطغيان استخدام التقنية.
أيضاً هناك قلق كبير وجدير بالأخذ في الاعتبار، من حجم المساس بالحقوق وفقدان الخصوصية والحريات خلال الجائحة وتبعاتها، تحت ذريعة السيطرة والأمن المجتمعي والصحة العامة. الجائحة باقية معنا لفترة غير بسيطة؛ لأن اللقاح غير موجود حتى الآن، والاحتفالية الصينية والروسية بلقاحيهما اتضح أنها كانت مجرد حفلة لا أكثر، ويبقى الأمل على لقاحي «أكسفورد» و«موديرنا». بمعنى آخر: لن يكون الأمر قابلاً للانتقال إلى الحياة بشكل طبيعي في شكلها المبدئي قبل 2022 على أفضل تقدير.
الجائحة لا تزال بيننا تصيب من تصيب وتواصل حصد الأرواح، ولكن من المهم جداً الاعتبار من العبر والدروس المقدمة، لأجل بناء مجتمعات سوية وقادرة على المواجهة وبالتالي التعامل مع مختلف الأزمات بأقل قدر ممكن من الخسائر والتكاليف.  
arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مع الجائحة مع الجائحة



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:07 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور
 العرب اليوم - تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 06:40 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

2024 سنة نجاحات مغربيّة

GMT 06:32 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

هل قرأت افتتاحية «داعش» اليوم؟!

GMT 08:12 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

ممرات الشرق الآمنة ما بعد الأسد

GMT 09:29 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

للمرة الأولى بعد «الطائف» هناك فرصة لبناء الدولة!

GMT 14:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

رسميا الكويت تستضيف بطولة أساطير الخليج

GMT 06:30 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

ما تم اكتشافه بعد سقوط النظام السوري!

GMT 11:26 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا يتفقدان سجن صيدنايا في سوريا

GMT 14:14 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 4.7 درجة يضرب مدينة "سيبي" الباكستانية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab