بقلم - حسين شبكشي
بداية أود أن أوضح أن الكلمات التالية قراءة سريعة لتاريخ فكرة وجود المفاعل النووي في منطقة الشرق الأوسط، وذلك في ظل الحديث الذي لا يتوقف عن برنامج إيران النووي المليء بمحاولات التحايل على القيود والشروط الدولية عليه، وذلك لأجل الوصول إلى الهدف الأساسي بالنسبة للنظام الإيراني، وهو تصنيع القنبلة الذرية.
بدأ الحراك النووي في منطقة الشرق الأوسط عن طريق إسرائيل، وذلك بعد فترة قصيرة جداً من تأسيسها في عام 1948، وذلك عندما أطلقت برنامجها السري جدا لتأسيس أول مفاعل نووي في المنطقة، وذلك بالقرب من «ديمونا» في صحراء النقب بمساعدة تقنية مقدمة من الحكومة الفرنسية، وهو الإنجاز الذي تم الانتهاء منه في فترة الخمسينات الميلادية، وبقي محاطاً بجدار صلب من السرية، الذي لم يتم اختراقه إلا بعد أن فضح ما يحصل فيه أحد الفنيين العاملين به وهو موردخاي فانونو لصحيفة «التايمز» اللندنية عام 1986، وتم خطفه بعد ذلك من قبل عملاء جهاز الموساد الاستخباراتي الإسرائيلي وإعادته لإسرائيل وجرت محاكمته بطريقة مريبة وحكم عليه بالسجن لمدة 18 سنة بتهمة التجسس والخيانة.
وفي عام 1991 أصدر الصحافي الأميركي الاستقصائي الشهير سيمور هيرش كتاباً مهماً ومثيراً للجدل بعنوان: «خيار شمشون: ترسانة إسرائيل النووية وسياسة أميركا الخارجية» أورد فيه كثيرا من التفاصيل المهمة عن برنامج إسرائيل النووي الذي بقي غامضاً. وهناك كتاب آخر لا يقل أهمية وإثارة للجدل وهو «أسوأ سر مخفي: صفقة إسرائيل مع القنبلة» للكاتب الإسرائيلي آفنر كوهين الذي قدم فيه تفاصيل مهمة ولافتة وجديدة عن البرنامج النووي الإسرائيلي.
وبرنامج إسرائيل النووي أنتج لها أكثر من 400 قنبلة نووية لها القدرة على أن تطلق صوب الأهداف المعنية جواً وبحراً وبراً. وغير خافٍ على العديد من المطلعين بالصراع العسكري بين العرب وإسرائيل، أن إسرائيل هددت باستخدام القنبلة الذرية ضد مصر في حرب 1973، بعد الأيام الأولى من الحرب التي تكبدت فيها إسرائيل خسائر فادحة ومنعتها أميركا من القيام بذلك.
فتح برنامج إسرائيل النووي المجال لسباق خفي بين بعض دول المنطقة للدخول في المجال النووي، وكان لمصر السبق في هذا المجال ببنائها مفاعل أنشاص النووي للبحث والتدريب، والذي تم توريده من قبل الاتحاد السوفياتي عام 1958 وبقي على دوره البحثي والتعليمي لرفض وتحفظ الاتحاد السوفياتي على تطويره بشكل مؤثر وفعال.
وفي عام 1976 اشترى العراق مفاعلاً نووياً من طراز «أوسايرس» من فرنسا مخصصاً للبحث العلمي والسلمي في طبيعته، إلا أن الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) بقيت تنظر إليه بعين القلق والريبة، وهو الذي أدى إلى أن تقوم قواتها الجوية في عام 1981 بعملية خاطفة تمكنت فيها من تدمير المفاعل النووي العراقي تماماً.
وفي محافظة دير الزور السورية، سعى نظام الأسد لتأسيس مفاعل نووي بتقنية من كوريا الشمالية، ولكن إسرائيل تمكنت من تدميره في عام 2007. وهذا يطرح سؤالاً بسيطاً وبديهياً للغاية، وهو لماذا لم تقدم إسرائيل على ضرب البرنامج النووي الإيراني كما فعلت مع كل من العراق وسوريا؟ في اعتقادي الشخصي تكمن الإجابة لدى روسيا، التي قدمت ولا تزال تقدم الدعم التقني واللوجيستي الكامل للبرنامج النووي الإيراني، وبالإضافة لاعتبارها (إيران) جزءاً من محيطها الأمني القومي، كما كان الوضع عليه قبل عودة الشاه إلى الحكم في فترته الثانية. وتدرك إسرائيل ذلك جيداً نظراً للعلاقات المتشابكة والمتقاربة جداً بين الدولة اليهودية واللوبي اليهودي الفعال والمؤثر المحيط بالكرملين والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعليه وبسبب حماية الروس لإيران فستبقى الضغوطات على برنامج إيران النووي من دون حسم بضربة عسكرية.
برنامج إيران النووي يشبه برنامج إسرائيل، فكلاهما قائم على فكرة ضيقة وعنصرية ومعادية لكل من يخالفهما، وسجلهما التوسعي في المنطقة يتحدث بكل وضوح عن نفسه.
منطقة الشرق الأوسط شهدت الحروب والمآسي بما هو كاف، وكل الأمل أن نرى شرقاً أوسطياً خالياً تماماً من كل سلاح نووي. «كل» لا تستثني أحداً.