الخطاب الإعلامي والرقص المحترم

الخطاب الإعلامي والرقص المحترم!

الخطاب الإعلامي والرقص المحترم!

 العرب اليوم -

الخطاب الإعلامي والرقص المحترم

بقلم - حسين شبكشي

في بعض الروايات الأدبية أو بعض المشاهد السينمائية جمل حوارية عبقرية على لسان أبطالها تُغنيك عن سرد طويل لتوصيف ما تقصد. ففي فيلم «الراقصة والطبال» الذي أُنتج عام 1984 وكتب الحوار فيه مصطفى محرم، توجد جملة حوارية رائعة على لسان أحمد زكي الذي يقوم بدور الطبال موجهاً حديثه إلى نبيلة عبيد التي تقوم بدور الراقصة فيقول لها: «افهميني، أنا عاوز أعمل منك رقاصة محترمة»، تذكرتُ هذا المشهد الحواري وأنا أتابع الحال الإعلامي في العالم العربي في الكثير من وسائله، وإن كانت نفس العلّة قد أصابت وسائل إعلامية معروفة حول العالم أيضاً. العلاقة بين الإعلام والسياسة كانت دوماً شائكة ومضطربة منذ انطلاق أول صحيفة، التي صدرت بشكل أسبوعي في ألمانيا عام 1604، وصولاً إلى أشكال الإعلام الموجود اليوم على وسائل التواصل الاجتماعي.
احترمت الدساتير الغربية حرية الكلمة وحق التعبير، بل وزادت في التعبير عن أهمية مكانتها بأن أطلقت عليها مسمى السلطة الرابعة. وكان المشرعون دوماً ما يخشون من «توسع» نفوذ ملّاك الصحف والوسائل الإعلامية إلى حد الخطر «بحيث يؤثر ويوجه الرأي العام بشكل غير عادل»، وهو ما أشار إليه الفيلم الهوليوودي الشهير «المواطن كين» الذي تطرق إلى اتساع نفوذ الناشر الكبير ويليام هيرست وقتها. وشكّل ويليام هيرست حلماً للكثيرين ممن جاءوا بعده لتظهر أسماء مثيرة للجدل مثل كونراد بلاك الناشر الأسبق لصحيفة «الديلي تليغراف» البريطانية اليمينية، والذي خرج من مهامه في الصحيفة إثر فضيحة مالية جنائية شهيرة.

وهناك الناشر روبرت ماكسويل مالك صحيفة «الديلي ميرور» الشعبية والواسعة الانتشار، الذي كانت لديه علاقات مقربة ومشبوهة مع أجهزة استخبارات عالمية، والذي وُجد مقتولاً على يخته في عرض البحر المتوسط في جريمة بقيت بلا متهم حتى اليوم. وطبعاً لا يمكن إغفال النمو الأخطبوطي للناشر الأسترالي الأصل روبرت مردوخ، الذي يمتلك أهم العلامات الصحافية والتلفزيونية في معظم دول العالم، وأسهم في صعود اليمين السياسي المتطرف وكان منبره المفضل. وقدم «رأياً بديلاً» حسب قوله ولكنه في الحقيقة في الكثير من الأحيان يطبق عملياً المقولة المشهورة لمستشارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، السيدة كيلي آن كونواي، عندما قالت: «هناك حقيقة بديلة».
شكّل الإنجاز الصحافي الأشهر للصحافيين المبتدئين وقتها بوب وودوارد وكارل بيرنستين ومعهما رئيس التحرير الأسطوري بن برادلي، في صحيفة «وشنطن بوست»، الذي كشف عن فضيحة «ووترغيت» وتسبب في استقالة الرئيس ريتشارد نيكسون... شكّل هذا الإنجاز تحدياً للمهنة وممن يعمل فيها، فأصبح هناك سباق محموم لتحقيق «الإنجاز» وانتشرت بذلك الصحافة الفضائحية، التي كانت الغاية منها رفع التوزيع وزيادة العوائد الإعلانية. وتسببت هذه الواقعة -واقعة إنجاز فضيحة «ووترغيت» الصحافية- في إيصال مستوى الثقة بين الناس والإعلام إلى مستويات غير مرتفعة، وتبعتها إنجازات متعددة مثل الكشف عن أسرار حرب فيتنام وغزو العراق وصفقات الفساد وغير ذلك.
الآن هناك مخاوف عظيمة على دور الإعلام كعين رقابية ناقدة على السلطات والمجتمع، بسبب ما يحصل من نشر صريح وتشجيع واضح لتبني «أفكار مؤامراتية» كسردية تشرح فيها أهم الأحداث واتهام أي خبر موثق يدحض هذا الطرح بأنه نتاج «أخبار كاذبة». ولذلك تأتي مقولة بيل مويرز، أحد أهم الإعلاميين في التاريخ الأميركي، لتثير الاهتمام والتي عدّها الكثيرون بمثابة ناقوس إنذار عندما قال: «لا يوجد أي نضال أكثر أهمية لأجل الديمقراطية الأميركية من تأمين إعلام حر، متنوع ومستقل. الصحافة الحرة هي قلب هذا النضال».
صحيفة «نيويورك تايمز» رفعت منذ تأسيسها شعاراً بسيطاً ولكنه ذو مغزى مهم وهو: «كل الأخبار القابلة للنشر» وهي بذلك رسمت الخط والنهج «المتوقع» منها ومن سائر الوسائل الإعلامية. ولكن القطبية السياسية المتشنجة انتقلت إلى الساحة الإعلامية وتحول بعض نجومها من محللين موضوعيين إلى رؤساء رابطة مشجعين مما أفقدهم الموضوعية تماماً. وطبعاً على الصعيد العربي كانت قديماً تسيطر عقدة محمد حسنين هيكل وادّعاء القرب من صاحب القرار السياسي، ثم تحول الموضوع إلى عقدة لاري كينغ وأوبرا وينفري مع الانتشار الهائل للبرامج الحوارية.
ظهور حالة الفوضى في الخطاب الإعلامي هو انعكاس صريح للوضع السياسي المتشنج في العالم عموماً، مما جعل وسائل التعبير أشبه بأكياس للملاكمة للتنفيس عن اليأس والغضب.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخطاب الإعلامي والرقص المحترم الخطاب الإعلامي والرقص المحترم



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:57 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
 العرب اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 05:19 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

جنوب السودان يثبت سعر الفائدة عند 15%

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 09:06 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

القضية والمسألة

GMT 09:43 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

استعادة ثورة السوريين عام 1925

GMT 09:18 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الكتاتيب ودور الأزهر!

GMT 10:15 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لماذا ينضم الناس إلى الأحزاب؟

GMT 18:11 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

النصر يعلن رسميا رحيل الإيفواي فوفانا إلى رين الفرنسي

GMT 18:23 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

حنبعل المجبري يتلقى أسوأ بطاقة حمراء في 2025

GMT 21:51 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

انفجار سيارة أمام فندق ترامب في لاس فيغاس

GMT 22:28 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

27 شهيدا في غزة ومياه الأمطار تغمر 1500 خيمة للنازحين

GMT 19:32 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

صاعقة تضرب مبنى الكونغرس الأميركي ليلة رأس السنة

GMT 10:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

صلاح 9 أم 10 من 10؟

GMT 08:43 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

باكايوكو بديل مُحتمل لـ محمد صلاح في ليفربول
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab