بقلم - حسين شبكشي
الحراك الشعبي يعيد ترتيب المشهد السياسي في ليبيا، مطالب الشارع صارت رقماً صعباً على طاولة المفاوضات المحتملة، كل الأطراف ترى أنها عصية على الاستجابة، تداخلت الأوراق، حلفاء الأمس صاروا أعداء اليوم. التاريخ مشغول الآن بحوار جغرافيا المستقبل، أنقرة لم تبخل في ممارسة كل صنوف الابتزاز السياسي والاقتصادي، أفاعي إردوغان تواصل الرقص مع الفوضى والتخريب، الصراع على الخريطة الليبية يديره سلاح النفط. كل المؤشرات تقول إن العالم سيعيش فترة ليست قليلة مع الأزمة الليبية. الأطماع الدولية والتناقضات تطيلان أمد الخلاف. مياه جديدة جرت في نهر السياسة. اللحظة تكشف عن صراع المصالح، الوطن لم يعد في أولويات القائمين بأدوار وظيفية، سباق المغانم والمكاسب صار أنيناً في قلب الوطنية الليبية.
يوم 21 أغسطس (آب) تفاءل الليبيون، ثمة متغيرات لاحت في الأفق بإطلاق فائز السراج وعقيلة صالح مبادرة لوقف إطلاق النار. الخطوة مهمة وجريئة، أصداؤها تحيلنا بعلم الوصول إلى «إعلان القاهرة» يوم السادس من يونيو (حزيران) بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبحضور رئيس البرلمان الليبي، عقيلة صالح، وقائد الجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر. القاهرة قالت كلمتها بشكل قاطع وفاصل، وضعت النقاط على الحروف، لا بديل عن وحدة الأراضي الليبية وسلامتها، واحترام جميع الجهود والمبادرات الدولية، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، والتزام جميع الأطراف وقف إطلاق النار، والارتكاز على مخرجات مؤتمر برلين، وقد ينتج عنها حل سياسي شامل، واستكمال أعمال مسار اللجنة العسكرية «5+5» في جنيف، برعاية الأمم المتحدة، والعمل على استعادة الدولة الليبية لمؤسساتها الوطنية.
الموقف المصري تجاه القضية الليبية، يسير منذ اللحظة الأولى في الاتجاه الصحيح، وفقاً لمعطيات مدروسة جيداً، واستناداً إلى تقدير حكيم تجسدت صوره في عدة أحداث، من بينها: ما شهده يوم 20 يونيو 2020، أثناء زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى قاعدة «سيدي براني» بالمنطقة الغربية لمصر، وإعلان محور سرت والجفرة خطاً أحمر، فضلاً عن المؤتمر الحاشد الذي فوض فيه شيوخ القبائل الليبية الرئيس السيسي بالتدخل العسكري للحفاظ على الدولة الليبية، وهو التفويض الذي أكده البرلمان الليبي، ومجلس النواب المصري. مصر قالت كلمتها، ولن تفرط في أمنها القومي أو الأمن القومي العربي.
مرآة السياسة تعكس تحولات سريعة في التعاطي مع الأزمة الليبية.
على المسرح الدولي يبدو السباق مستمراً على اقتسام المغانم. كل له حساباته ومصالحه، البيت الأبيض لم يمنعه زخم الانتخابات الرئاسية من الانخراط في الأزمة الليبية، ومحاولة تقريب وجهات النظر بين جبهتي الصراع، وهذا ما أكدته لقاءات جمعت السفير الأميركي لدى ليبيا بكل من فائز السراج وعقيلة صالح. أميركا تعمل على استعادة النفوذ المفقود في ليبيا منذ عام 2011. ترمب لن يقبل أن يكون الوصيف لرجل الـ«كي جي بي» فلاديمير بوتين. الكرملين له حساباته الاستثنائية في هذه الأزمة. موسكو رقم فاعل في معادلة المصير الليبي، لن تتنازل عنها لقوى أخرى، ولن تسمح بأن تكون طرابلس إدلب الليبية. كابوس الإرهاب يطارد سيد الكرملين، عشرات الآلاف ممن يحملون الجنسية القوقازية تمرسوا على العمليات الإرهابية، وعودتهم خطر لا يقبله الروس.
قصر الإليزيه أثبت عقلانية وشجاعة بالغة في التعامل مع العدوانية التركية في ليبيا.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رسم خطوطاً حمراء بالأفعال وليس بالأقوال، أرسل طائراته وسفنه إلى شرق المتوسط، وانتظر الرد. الاختبار قاسٍ على إردوغان. البقاء للأقوى، أوروبا عندما تقرر الاصطفاف تختفي فئران السفن.
الأمم المتحدة نزعت الشرعية بشكل عملي عن حكومة السراج، الاعتراف بها لم يعد قائماً، ستيفاني ويليامز، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالإنابة في ليبيا، دعت للعودة إلى عملية سياسية شاملة ومتكاملة تلبي تطلعات الشعب الليبي إلى حكومة تمثله بشكل ملائم، وتطبيق سيادة القانون، والحفاظ على حقوق جميع المواطنين في التعبير السلمي عن آرائهم.
إذن، وسط كل هذه التشابكات حول القضية الليبية، وما يدور على مختلف الأصعدة، فإن هناك العديد من السيناريوهات للخروج من هذه الأزمة، يأتي في مقدمتها: توفر الإرادة الكاملة لدى الشعب الليبي للحفاظ على مفهوم الدولة الوطنية، وحماية وصون أمنها القومي من التدخلات الخارجية كافة، وبذل كل الجهود للتخلص من الميليشيات والمرتزقة والجماعات المسلحة، وطردها خارج الأراضي الليبية، وهنا يتوجب على الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي دعم آلية «إيريني» لمراقبة وضبط الحدود البحرية الليبية، وعدم السماح لتركيا بمواصلة إرسال الإرهابيين والمرتزقة، هذا فضلاً عن ضرورة وضع «آلية تنفيذية» لتفعيل مبادرتي السراج وعقيلة صالح، وتحويلهما من إطار عام وخطوط عريضة إلى خطط تفصيلية يتم تطبيقها على أرض الواقع، وبشكل سريع وفعال من قبل جميع الأطراف الإقليمية والدولية التي رحبت ودعمت هاتين المبادرتين، وذلك لغلق الباب أمام أي مناورات أخرى، والاتفاق على إطار قانوني يحكم التعامل مع أموال مؤسسات الشعب الليبي، حتى لا يتم استغلالها في دعم وتمويل المجموعات الإرهابية، والاستناد إلى ما حققته القاهرة من خطوات فعالة وقوية، بدءاً من توحيد المؤسسة العسكرية الليبية من خلال استثمار دعوات مؤتمر برلين وآلية «5+5» العسكرية، ووصولاً إلى ما تضمنه «إعلان القاهرة» من أطروحات وحلول شاملة.