الصورة مقابل الكلمة

الصورة مقابل الكلمة!

الصورة مقابل الكلمة!

 العرب اليوم -

الصورة مقابل الكلمة

بقلم - حسين شبكشي

في إحدى رحلات الفضاء التي قامت بها وكالة الفضاء الأميركية المعروفة باسم «ناسا»، التقطت فيها صور لكوكب الأرض ظهر فيها بوضوح كل من سور الصين العظيم، وأهرامات الجيزة، وكان تعليقي وقتها أن هذه الآثار العظيمة تُعَد أول «إعلان خارجي» في تاريخ البشرية، وأنهما اليوم يعاملان كمادة بصرية تحكي في لقطة واحدة الكثير عن الحضارة الصينية والحضارة المصرية القديمة، بعيداً عن الوظيفة الأساسية لها كمانع للغزوات في حالة السور، ومقابر للملوك في حالة الأهرامات. أدركت وقتها أن ذلك كان جزءاً من الثقافة السائدة في إيصال الرسائل: ثقافة الصورة البصرية. حضارات العالم القديم، خصوصاً تلك التي برزت في الشرق الأدنى والشرق الأقصى كانت لغة التواصل بين الناس لغة مصورة أو منحوتة أو منقوشة، ولم يكن للحرف وجود.

وانتشرت الرموز والشيفرات المصورة كوسيلة تخاطب بين الأمم لنقل الرسائل الدينية، والتبادل العلمي والتجاري، وظهر ذلك جلياً بشكل في حضارات بلاد ما بين النهرين (في العراق وسوريا الحاليتين)، واستمر هذا الحال مع المستشرقين واكتشافهم لمنطقة الشرق الأدنى والأقصى في لوحات من الفنون التشكيلية التي تظهر الشعوب في تلك المناطق من العالم في أسواقهم وقصورهم، شارحة في لقطات أسلوب حياتهم في اعتماد كامل على اللغة المصورة.
 

الأبجدية الأولى كحروف مكتوبة تنسب للفراعنة، تحديداً حقبة الفرعون الحاكم أمتحاب الثالث الذي حكم من 1860 إلى 1814 قبل الميلاد، ولكنها لم تخرج خارج محيط مصر القديمة، حتى جاء الفينيقيون وأسسوا أبجديتهم، وتبناها الإغريق لاحقاً، ومنها تبناها اللاتينيون وانتشرت حول العالم بصور مختلفة بعد ذلك لتأتي حقبة الكلمة. وأصبحت الكتابة هي الوسيلة المعتمدة لنقل المعرفة والتواصل والتعامل وصولاً إلى التاريخ السحري الأشهر في مرحلة الكلمة، تحديداً عام 1447، عندما قام المخترع الألماني يوهان غوتنبرغ، باختراع المطبعة، لتصبح أحد أهم الاختراعات البشرية في الألفية الثانية.

وهو اختراع بني على فكرة صف الحروف الصلبة جنباً إلى جنب، ليظهر الصورة المعكوسة على الورق (علماً بأن الصين كان لديها منذ القدم تقنية تعتمد على الطباعة الخشبية، ولكنها لم تنتشر لضعف تقنيتها). وساهم اختراع غوتنبرغ في سيادة الكلمة وانتشار العلوم والمعرفة بشكل غير مسبوق، وخرجت الكتب والصحف والمجلات حول العالم، ليكون المشهد وقتها تحقيقاً لما قيل في الأثر: «إن من البيان لسحراً».

ابن الهيثم، العالم والفقيه المسلم، وضع أسس فن التصوير المعروف اليوم، ولكن العالم لم يعِ عظمة ذلك إلا عام 1826، وهو التاريخ التقريبي لأول صورة فوتوغرافية عرفها الإنسان، وهي التي فرشت الأرض لعهد الصورة. وعادت بالإنسان في لغة التواصل إلى مرحلة ما قبل الكلمة والأبجدية إلى حقبة الصورة مجدداً. الصورة أصبحت البرهان والدليل والتوثيق على صدقية الخبر، وما يكتب، وولدت الصورة الفوتوغرافية والسينما والتلفزيون، ومع كل ذلك ولدت المقولة الشهيرة: «الصورة تغني عن ألف كلمة». ويستمر الصراع على عقل الإنسان بين الصورة والكلمة، وقد وصف ذلك الأمر بشكل معمق عالم النفس الشهير كارل جونغ (وهو أشهر تلاميذ عالم النفس الأشهر سيغموند فرويد) له كتاب مهم يتناول هذه المسألة بعنوان: «الكلمة والصورة». اليوم هناك من يتوقع أن العالم يسير باتجاه وسيلة تواصل تقنية جديدة تعتمد بشكل أساسي فيها على الصورة (هناك من يعتقد بأن الوجوه المعبرة في الرسائل المعروفة بالإيموجي، هي أولى خطوات ذلك، وهناك رسائل بأكملها تعتمد على هذه الوسيلة اليوم). ثقافة التواصل ستتغير مع التطور التقني المهول، خصوصاً في مجال الذكاء الصناعي، والحديث المتزايد عن إمكانية زرع شرائح في الدماغ البشري والنقلة النوعية التي ستحدثها والدخول في مرحلة التواصل التقني والافتراضي الرقمي. بمعنى آخر ننتقل إلى عالم الخيال التام ولكنه واقع. مرحلة ستتطلب قواعد جديدة من النظم والقوانين. لأنه إذا اعتقدنا أن اليوم يواجه العالم تحدياً في الأخبار الزائفة، فالأخبار الزائفة مستقبلاً سيكون مصدرها المتلقي نفسه من دون الحاجة لوسيلة وسيطة.

أعرق الصحف الفرنسية «لو موند» كانت تعتمد سياسة تحريرية صارمة حتى حقبة التسعينات الميلادية من القرن الماضي، وذلك برفضها نشر أي صورة، واعتمادها على الكلمة المكتوبة، ثم اضطرت أن ترضخ. واليوم هي وغيرها تراقب أعاصير التغييرات في الخطاب الإعلامي البشري، الذي ترتفع فيه مقولة البقاء للأكثر قدرة على التأقلم.  
arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصورة مقابل الكلمة الصورة مقابل الكلمة



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:57 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
 العرب اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 05:19 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

جنوب السودان يثبت سعر الفائدة عند 15%

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 09:06 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

القضية والمسألة

GMT 09:43 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

استعادة ثورة السوريين عام 1925

GMT 09:18 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الكتاتيب ودور الأزهر!

GMT 10:15 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لماذا ينضم الناس إلى الأحزاب؟

GMT 18:11 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

النصر يعلن رسميا رحيل الإيفواي فوفانا إلى رين الفرنسي

GMT 18:23 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

حنبعل المجبري يتلقى أسوأ بطاقة حمراء في 2025

GMT 21:51 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

انفجار سيارة أمام فندق ترامب في لاس فيغاس

GMT 22:28 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

27 شهيدا في غزة ومياه الأمطار تغمر 1500 خيمة للنازحين

GMT 19:32 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

صاعقة تضرب مبنى الكونغرس الأميركي ليلة رأس السنة

GMT 10:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

صلاح 9 أم 10 من 10؟

GMT 08:43 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

باكايوكو بديل مُحتمل لـ محمد صلاح في ليفربول
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab