القيادة من بلاد الكيوي

القيادة من بلاد الكيوي!

القيادة من بلاد الكيوي!

 العرب اليوم -

القيادة من بلاد الكيوي

بقلم - حسين شبكشي

تكاد الشريحة الأعرض من المهتمين بكتب تطوير الذات تجمع على اعتبار كتاب المؤلف الأميركي ستيفن كوفي «العادات السبع للناس الأكثر فعالية»، أحد أهم الكتب الصادرة في هذا المجال. وقد تمت ترجمة هذا الكتاب إلى أكثر من أربعين لغة حول العالم، وبيع منه أكثر من 16 مليون نسخة، في إشارة ودلالة واضحتين إلى انتشار «فكرة» الكتاب، وتخطيها لثقافات وحدود العالم بشكل سلس ومدهش. وبسبب القبول الرهيب لفكرة الكتاب بدأت هناك العديد من المنتجات الجانبية الصادرة منه، مثل المحاضرات والدورات التدريبية التي تدور جميعها حول أفكار الكتاب الرئيسية.
الكتاب الذي جاء نتاج بحث حياتي طويل جداً، استغرق فيه المؤلف جل وقته وطاقته لمعرفة الأسباب الحقيقية للنجاح والتأثير والفعالية، وراجع من خلال هذا البحث المضني كل ما تمت كتابته في التراث الإنساني بشكل عام، ليستخرج أن هناك سبعة مبادئ (يسميها كوفي عادات) متى ما اكتسبها الإنسان وطبقها كمنهاج عام في أسلوب حياته، فبالتالي من المفترض أن يصبح الإنسان أكثر فاعلية وأكثر تأثيراً ومن ثم أكثر نجاحاً. ويحيل كوفي السبب في ذلك إلى تمكن الإنسان من مواءمة نفسه مع ما يطلق عليه وصف «البوصلة الداخلية» على أساس المبادئ الأساسية للأخلاقيات والطابع لإيمانه العميق والتام بأنها عالمية وغير محددة بزمان ولا بمكان. وهذا التغيير يطلق عليه ستيفن كوفي توصيفاً مدهشاً بالإنجليزية «paradigm shift»، والترجمة العربية الأقرب للمعنى المنشود هي التحول النموذجي، أو النقلة النوعية، أو التحول النمطي، أو التغيير النموذجي، وهي ترجمات متعددة الغاية منها جميعاً إيصال المعنى المرجو للكلمة.
تذكرت هذا كله وأنا أتابع نتائج فوز رئيسة وزراء نيوزيلندا بالانتخابات التي جرت بالأمس، وأسفرت عن اكتساحها التام لمنافسيها لتبدأ ولاية ثانية. ويرى الشعب النيوزيلندي في رئيسة وزرائهم السيدة الشابة جاسيندا أرديرن، مثالاً استثنائياً لإدارة الأزمات، ففي حقبتها شهدت البلاد أهم تحديين في تاريخها؛ الأول كان الحادث الإرهابي الأليم المتمثل بالاعتداء اليميني المتطرف الذي قام به أحد الإرهابيين ضد المصلين في مسجدين في المدينة النيوزيلندية كرايستشريش، وأدى إلى مجزرة مروعة راح ضحيتها عشرات الأبرياء، في حادثة كانت أشبه بالزلزال في مجتمع وديع ومسالم لم يعتد على العنف والدماء. قادت أرديرن البلاد في هذه المرحلة الدقيقة بإيجابية وثقة وقوة، وغيرت من قوانين حيازة السلاح، ودعمت فكر الحوار والتسامح بين شرائح المجتمع، ما مكن البلاد من تجاوز جروحها وآلامها بسلام ونجاح.
التحدي الثاني هو قدرتها في التعامل مع جائحة «كوفيد - 19» بشفافية تامة، واحترام الآراء الطبية، وموازنة الاحتياجات الاقتصادية، ما مكنها من منح شعبها الثقة المبكرة بقدرتها على مواجهة التحدي الصحي العنيف. اعتمدت رئيسة الوزراء النيوزيلندية على سياسات بسيطة أساسها الشفافية والمصداقية والوضوح والمحاسبة الفورية لكل مقصر بتطبيق ذلك على نفسها، فحياتها انعكاس لكل ما تؤمن به، ولا يوجد ما تخبئه عن غيرها، فالشعب عاش معها، وهي تغسل ملابسها، وهي تقود سيارتها، وهي تختار شريك حياتها، وهي تنجب طفلها، واعتذارها عندما كانت تخضع لرغبات شعبها بالتصوير معها، مهملة بذلك قيود التباعد الاجتماعي، (وهذا هو العيب الوحيد الذي كانت تركز عليه منافستها في الانتخابات الأخيرة!)، ومع كل كلمة منها زادت ثقة الشعب بها، لتصبح بلاد فاكهة الكيوي وأبطال العالم في الرغبي وبلاد السبعين مليون خروف والخمسة ملايين إنسان، بعد أن كانت مضرباً للأمثال في الهدوء والوداعة، مصدراً لأحد أهم نماذج القيادة «الجديدة» في العالم، لأنها بالفعل والعمل والقول أحدثت التغيير النمطي في أسلوب تعاطيها مع سياسات بلادها، ووضعت المبادئ أولاً، ولم تخش الضغوطات الأميركية، ولا التهديدات الصينية، في مواقفها المختلفة.
في إحدى مقابلاتها الإعلامية، سُئلت عن أسلوب إدارتها، وسر نجاحها، فضحكت وقالت مستشهدة بحكمتين من حضارة الموري، وهي حضارة سكان نيوزيلندا الأصليين، الأولى تقول «إذا زرعت الطيبة فالطيبة هي ما تحصده»، والحكمة الثانية تقول «انسج واغزل الناس سوياً». طبقت رئيسة الوزراء النيوزيلندية عملياً العادات السبع، والتزمت العادة الأكثر خطورة، وهي «ابدأ بالأهم قبل المهم»، وكانت ترجمة كل ذلك هي القبول والنجاح والتوفيق.
نموذج غير تقليدي للقيادة الجديدة في العالم يأتي من نيوزيلندا، وهي أيضاً مكان غير متوقع.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القيادة من بلاد الكيوي القيادة من بلاد الكيوي



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

أحمد حلمي يكشف تفاصيل لقائه بتركي آل الشيخ وجيسون ستاثام
 العرب اليوم - أحمد حلمي يكشف تفاصيل لقائه بتركي آل الشيخ وجيسون ستاثام

GMT 20:36 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الأمير الحسين يشارك لحظات عفوية مع ابنته الأميرة إيمان

GMT 02:56 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

النيران تلتهم خيام النازحين في المواصي بقطاع غزة

GMT 17:23 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنتر ميلان الإيطالي يناقش تمديد عقد سيموني إنزاجي

GMT 16:59 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يتوعد الحوثيين بالتحرّك ضدهم بقوة وتصميم

GMT 17:11 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

اتحاد الكرة الجزائري يوقف حكمين بشكل فوري بسبب خطأ جسيم

GMT 02:52 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 10 ركاب وإصابة 12 في تحطم طائرة في البرازيل

GMT 06:45 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

انفجار قوي يضرب قاعدة عسكرية في كوريا الجنوبية

GMT 17:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

.. قتلى في اصطدام مروحية بمبنى مستشفى في تركيا

GMT 11:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

GMT 10:40 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

الكرملين ينفي طلب أسماء الأسد الطلاق أو مغادرة موسكو
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab