البقاء للأكثر جاهزية

البقاء للأكثر جاهزية!

البقاء للأكثر جاهزية!

 العرب اليوم -

البقاء للأكثر جاهزية

بقلم - حسين شبكشي

هناك مستفيد من كل مأساة. هكذا يعلمنا التاريخ في دوراته المتكررة وعبره ودروسه المستمرة. وإذا كانت جائحة «كوفيد - 19» الفتاكة والمدمرة على المستوى الاقتصادي، فإن هناك بعض الشركات من جراء استفادتها من الأوضاع الأخيرة المتعلقة بانتشار الجائحة، يبدو كأن الجائحة «فصلت» لأجلها تفصيلاً، وأسهمت في أن تحقق نسب نمو وقفزات في المبيعات أقل ما يمكن أن توصف به بأنها مذهلة وغير مسبوقة أبداً! ولعل أكثر وأكبر الشركات المستفيدة من التغييرات الاقتصادية، ونمط التسوق، وأسلوب الشراء، وطريقة العيش هي شركة «أمازون» للتسوق الإلكتروني، التي شهدت نمواً في حصة سوقها بنسب غريبة، حتى بات اليوم أكثر من 82 في المائة من المنازل الأميركية لها علاقة تسويقية بها. وفي ظل البطالة المرتفعة جراء الجائحة تسبح «أمازون» عكس التيار لتعين 1400 موظف أسبوعياً، لتستجيب لطلبات العملاء المتزايدة.
في زمن «كورونا» الغريب، الذي حوّل غرف النوم إلى مكاتب عمل، وجعل المواجهات قاسية بين الفئات العمرية الكبيرة والصغيرة، ووسّع الفجوات الاقتصادية بشكل هائل ومذهل بين الفقراء والأغنياء، ومرتدي الكمامات ومحاربيها... في ظل هذه الأجواء المتوترة، وجدت بعض الشركات ضالتها بامتياز، وليس عملاق التسوق الإلكتروني «أمازون» وحده هنا. فهناك شركة بيلوتون للتريض المنزلي، وشركة زووم للاجتماعات الافتراضية، وكلتاهما شهدت قفزة غير مسبوقة في الإقبال على منتجاتها وخدماتها، ما كان له الأثر الإيجابي الواضح والمباشر على شركات شبيهة بها. كل ذلك وأكثر يغطيه باقتدار وجدارة سكوت غالاوي، أستاذ علوم التسويق في جامعة نيويورك، بكلية ستيرن للأعمال في كتابه الممتع والأكثر مبيعاً «بعد (كورونا): من أزمة إلى فرصة».
يستشهد المؤلف بمقولة شديدة الدلالة والبلاغة والأهمية للفيلسوف الإغريقي المشهور أرسطو الذي قال: «ما نختبره في حياتنا هو التغيير، وليس الزمن، لأن الزمن غير موجود من دون التغيير نفسه، لأن ما نطلق عليه الزمن هو تجربتنا لما هو قبل وبعد». وبالتالي كان العالم في معظمه تقريباً يعيش مرحلة «قبل» في شهر مارس (آذار) 2020، لأنه وباختصار شديد جداً لم تكن هناك أي علامات تشير إلى قرب قدوم زلزال اقتصادي وصحي يصيب العالم بشلل غير مسبوق، كالذي نعيشه اليوم. وفي نهاية شهر مارس نفسه أدرك العالم الصدمة، وتيقن أنه دخل مرحلة «بعد»، وذلك قبل دخوله في مصطلحات مثل الكمامة، والتباعد الاجتماعي، والحظر الكامل، واللقاح وفاوتشي وغيرها.
هناك من يبحث في أعماق الفرصة على مستويات مختلفة، فشركة «أمازون» لم تكتفِ بأن تكون العنوان المقصود الأول لتلبية رغبات المتسوقين، خصوصاً في ظل الانهيار التام والمتواصل لمنظومة التسوق التقليدية للتجزئة، لكنها تسعى للاستفادة الكلية من الأزمة الصحية المعقدة الحاصلة اليوم، لتكون خيار الدواء والاستشارة الطبية الأول في العالم بشكل تصاعدي وفعال ومؤثر، وذلك لرهانها واعتمادها على البنية التحتية الرقمية، وهي المسألة التي تميز «أمازون» أساساً.
وهناك شركات تسعى حالياً لاستغلال الوضع العالمي الجديد لإحداث تغيير جدي في مفهوم الدراسات الأكاديمية العليا، واختصار مدة دراستها وتوسيع قاعدة المشاركين في تلقي علومها حتى لا يكون نظاماً طبقياً وعنصرياً وتمييزياً، وكذلك الاعتماد على المهارات بدلاً من العلوم النظرية، ولعل أكبر وأهم الشركات التي تقود هذا التوجه هي عملاق التقنية المعروف «غوغل». وطبعاً هناك الصعود الأسطوري والجنوني لقيمة شركة «تسلا» للسيارات الكهربائية لتصبح ثاني أهم شركة في العالم اليوم، وذلك لرهانها على منظومة تنقل جديدة تماماً حول العالم بعد الجائحة فيه فاعلية وصداقة للبيئة مع تقديم قيمة مضافة في الوقت نفسه.
هناك فئة قليلة من قادة الأعمال الذين يملكون البصيرة، والروح المقدامة للسباحة عكس التيار، وهذه الخاصية يسميها، بشكل أخاذ ولافت ومقنع، «الخلطة السرية» رجل الصناعة العربي الناجح حسين البنوي في كتابه المهم والمعروف والأكثر مبيعاً «القائد المجهول»، لأنها هي التي تصنع الفارق بين التنظير، والنجاح العملي بحسب وصفه المقنع.
قد تصعب الرؤية في ظل العاصفة، ولكن هذا لا يمنع أبداً ولادة الفرص المميزة لتحقيق المكاسب واستغلال الظروف بشكل مثالي. هناك ديناصورات في قطاع الأعمال لن تكون قادرة على التأقلم وبالتالي ستنقرض. البقاء للأكثر جاهزية.

 

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البقاء للأكثر جاهزية البقاء للأكثر جاهزية



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab