أميركا بين الفرد والمؤسسات

أميركا بين الفرد والمؤسسات!

أميركا بين الفرد والمؤسسات!

 العرب اليوم -

أميركا بين الفرد والمؤسسات

بقلم - حسين شبكشي

غادر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب البيت الأبيض والعاصمة الأميركية واشنطن للمرة الأخيرة رئيساً للولايات المتحدة، وبعدها مباشرة بدأت مراسم انتقال السلطة السلمي في القوة الأعظم بالعالم. انتهت حقبة الرئيس المنفرد بقراراته، وعادت حقبة دولة المؤسسات واحترام الفصل بين السلطات. سيقول التاريخ كلمته بشكل أدق وأعمق عن مرحلة الرئيس ترمب بما لها وما عليها، وإن كانت هناك مؤشرات لا يمكن إغفالها ككونه يترك المنصب الرئاسي بأدنى معدلات رضا عن أدائه منذ بدء استخدام مؤشرات استطلاعات الرأي العام في الولايات المتحدة، وكذلك لا يمكن تجاهل الشروخ الاجتماعية التي أحدثتها تصريحاته وسياساته، التي أدت إلى التفاخر بالعنصرية والتظاهر بالكراهية. خطاب دفع ثمنه المهاجرون والمسلمون واللاتينيون واليهود والآسيويون بلا استثناء.
لم يكن دونالد ترمب ابن السياسة التقليدية قط، بل كان رجل صفقات ومراهنات (وهو الذي كانت طبيعة عمله في الصفقات العقارية وغيرها). قراره بالدخول في الانتخابات الرئاسية في 2016 كان رهاناً بعيد المدى وبفرص شبه مستحيلة للربح. ولكنه تحرك بدوافع مختلفة: شخصية (كراهيته لباراك أوباما التي أطلقها ترمب مشككاً في حقيقة ولادة أوباما في الولايات المتحدة، ومن ثم عدم أهليته للترشح، ورغبته في الانتقام منه بعد أن أهين من قبل أوباما في حفل عشاء بالبيت الأبيض)، وسياسية (اعتقد الرجل أن الناخب لا ثقة له بهيلاري كلينتون وأن البديل الجمهوري ضعيف. ثم راهن على كتلته: الرجل الأبيض الذي يخشى الإسلام بسبب ربطه المزعوم بالإرهاب، ويخشى المهاجرين الذين يهددون وظائفه، فصعّد من لهجته ضد الاثنين وكسب أصواتهما وفاز (مع عدم إغفال الشكوك حول دور روسي مزعوم دعم الرجل على الساحة الإلكترونية الافتراضية).
وصل ترمب إلى سدة البيت الأبيض، وبدأ في الإساءة إلى المؤسسات التشريعية الأخرى، وبدأ في استغلال حق إصدار الأوامر الرئاسية على حساب صناعة السياسة بشكل مشترك مما تسبب في جو غير إيجابي أبداً. وانتقل ذلك إلى داخل أروقة البيت الأبيض نفسه، الذي أصبحت المناصب فيه تدور من خلال باب دوار، وأصبحت الكراسي فيها ساخنة جداً لا تبقي على الجالس عليها، فيتم الاستغناء عنه أو إقالته بشكل مفاجئ. تم خلق عداوات متشنجة ومناخ مشحون مع أعضاء السلطة الرابعة، وتم الاستغناء عن المؤتمرات الصحافية المهنية المحترفة، واستبدال أسلوب مختلف للتواصل الشخصي ومن الرئيس نفسه في الساعات الأخيرة من الليل بها، وعن طريق منصته المفضلة للتواصل الاجتماعي تحديداً عن طريق تغريدات «تويتر»، وكانت في كثير من الأحيان مسببة للأزمات أو مساهمة في توسيع الهوات الموجودة بين الأطراف.
الآن يجيء الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن من داخل المؤسسات، وهو الذي قضى أكثر من أربعة عقود من عمره مقدماً خدماته بين عضوياتها ولجانها ومناصبها المختلفة، ولذلك سيكون من البدهي جداً ومن المتوقع غالباً أن نرى تعاوناً سياسياً وثيقاً بين السلطات والمؤسسات المختلفة للتقليل من المعارك الجانبية المرهقة والمزعجة لصناعة سياسات مؤثرة وفعالة، وخصوصاً أن كل ذلك يأتي بعد حقبة ترمب التي شرخت المجتمع سياسيا، والمعاناة الصحية جراء تفشي جائحة «كوفيد - 19» وآثارها المدمرة والفتاكة، وخصوصاً ما ترتب على الاقتصاد الأميركي تحديداً.
الرئيس بايدن يأتي إلى البيت الأبيض من قلب المؤسسة السياسية، وبالتالي سيمنح صلاحيات سياسية تنفيذية لأعضاء إدارته من دون السماح لأفراد من خارج هذه الدائرة بالتدخل. الرجل في ختام مسيرته السياسية ويدرك تماماً أن هذه هي آخر محطات مشواره الطويل، الذي به ثقل عاطفي وشخصي متعلق بالوعد الذي قطعه لابنه الذي توفي بعد صراع مرير مع مرض السرطان.
العالم يستعد لمرحلة أميركا برئاسة جو بايدن... مرحلة يتم فيها احترام المعاهدات والعلاقات التاريخية، والاعتماد على العمل المؤسساتي واحترامه والبعد عن أي تقليل أو تجاهل له. قد يكون إيقاع الإدارة الجديدة، بحسب ما هو متوقع، رتيباً وقد يكون هذا مطلوباً وصحياً في المرحلة القادمة، بعد أن أنهك العالم من كثرة المفاجآت والصدمات والأزمات.
سينشغل جو بايدن بالداخل الأميركي، ومعالجة التركة الثقيلة التي بين يديه، ولكن الثقل لن يكون كله عليه لأن المؤسسات والسلطات عادت لتعمل معه.

 

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا بين الفرد والمؤسسات أميركا بين الفرد والمؤسسات



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 15:39 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 17:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab