بين نظام جديد وتاريخ يتكرر

بين نظام جديد وتاريخ يتكرر!

بين نظام جديد وتاريخ يتكرر!

 العرب اليوم -

بين نظام جديد وتاريخ يتكرر

بقلم - حسين شبكشي

هناك محاولات مهمة ولافتة لإعادة تشكيل نظام عالمي جديد، أو على أقل تقدير تأسيس لقواعده واستغلال جائحة «كوفيد - 19» للقيام بذلك. ويقود الصراع على النظام العالمي الجديد الولايات المتحدة، عن طريق فرض المزيد من الهيمنة المؤثرة لعملتها الخضراء الدولار الأميركي. وفي ذلك تعتمد على «النظرية النقدية الحديثة»، والتي أطلقها رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الأسبق بن برنانكي، وقال باختصار، إن كل الدول التي «تتحكم بشكل حر ومستقل»، في عملاتها الوطنية تستطيع أن «تنفق» بحرية؛ لأنها قادرة على «استحداث» أموال جديدة لسداد ديونها، وذلك بعملتها الوطنية. وتقول النظرية، إن الإنفاق الحكومي من أن ينمي الاقتصاد إلى مداه الأقصى، ويثري القطاع الخاص ويقضي على البطالة، ويمول المشاريع والأفكار الكبرى. والمعنى المقصود هنا، هو الطباعة اللامحدودة للعملة. مما يعني أن هذا يعطي الضوء الأخضر لعملات بعض الدول أن تقوم بذلك، عملات غير مقيدة بالدولار الأميركي، وهي الجنيه الإسترليني، واليورو الأوروبي، والفرنك السويسري، والين الياباني، وهذا يفسر الطبع الغزير جداً لعملات الدولار واليورو والين خلال الجائحة الحالية. ولكنه أيضاً يعني وجود زر إلغاء خفي لدى أميركا في عدم اعتماد أي كميات إضافية من عملات غير مستقلة وحرة ومرتبطة بالدولار في تهديد واضح للصين. واعتماد هذه النظرية النقدية الخارجة عن المنهج الاقتصادي التقليدي المعروف، أوجد فقاعة عظيمة ومهولة جداً من الديون، والتي تم تبريرها وقبولها، بالتالي ضمن التعريف الجديد لتلك النظرية. وطبعا هناك تهديد قد يواجه هذا التوجه الداعم لهيمنة الدولار الأميركي وهو الصعود والانتشار، والقبول الدولي العام للعملات الرقمية، وهذا سيعرف في الفترة القليلة المقبلة. وهذه النظرية النقدية الحديثة، جاءت كسلاح تمكين جديد للاقتصاد الأميركي تحديداً، والمعسكر الغربي عموماً في مواجهة الخطر المتزايد والتهديد المتعاظم من قبل الصين التي «فاجأت» العالم بتقنيات متقدمة، كتقنية الجيل الخامس من الاتصالات، وتقنية السكة الحديد فائقة السرعة، وغير ذلك مما جعل القطاع الخاص الأميركي يدخل في حالة طوارئ قصوى، ويوجه بجذب استثمارات قياسية في الأبحاث والتطوير، وكذلك في صناديق الاستثمار في رؤوس الأموال المغامرة لكي تحافظ الولايات المتحدة على توسيع الفجوة الاقتصادية بينها وبين الصين، والمقدّرة زمنياً بخمس عشرة سنة على أقرب تقدير. إنترنت الأشياء، السيارات الكهربائية ذاتية القيادة، الطاقة البديلة النظيفة، تجارة إلكترونية بلا وسيط (من المصنع إلى بيتك بلا وسطاء عن طريق السداد الرقمي)، اختفاء للمتاجر الصغيرة والمتوسطة لصالح محال إلكترونية عملاقة. ثلاثون دولة كحد أقصى تتحكم في اقتصاد العالم، وثلاثون شركة مهمة تسيطر على العالم. كل ما تم سرده وذكره هنا، ما هو إلا مجرد نماذج وأمثلة، مما ينتظرنا من تحولات اقتصادية. وتقود هذه الثورة التقنية شركات تقنية أميركية بامتياز، كانت خلف القرار السياسي الأميركي بالتصعيد مع الصين، برفع الجمارك على منتجاتها ومعاقبة وحظر بعد شركاتها؛ وذلك كسباً لوقت استراتيجي مهم وحساس ودقيق جداً. الصين من جهتها هي الأخرى تستعد لتفعيل خطتها الاقتصادية المعروفة باسم مبادرة الطريق والحزام، لتكون الشريان التجاري لاقتصاد العالم عبر مجموعة الموانئ البحرية المركزية، التي اختارتها حول العالم لتؤثر على خريطة الملاحة التجارية العالمية، والتي يعاد تشكيلها الآن؛ فهناك موانئ جديدة ستولد، وأخرى مهمة سيتقلص دورها تماماً، أو شبكة السكك الحديدية فائقة السرعة التي تؤسسها حول العالم والتي تملك التقنية الخاصة بها (والأميركان بعيدون جداً عنها)؛ فبالتالي تستطيع تأمين نقل البضائع بشكل آمن وفعال من مدينة شانغهاي الصينية إلى ميناء روتردام الأوروبي في مدة لا تتجاوز الـ48 ساعة، وهو حل ثوري شبه أسطوري لتحدي نقل البضائع التجارية الذي يهم الجميع. وفكرة البديل اللوجيستي الصيني، تقول إن الأميركان يتحكمون في المعابر المائية التجارية حول العالم، وبالتالي ستسيطر الصين على المعابر التجارية على الأرض.
شكل جديد لعالم جديد يجري تشكيله للخروج من الجائحة، وإذا كانت الشواهد الحالية تخبرنا بشيء فلا بد من الانتباه له. البورصات المالية منتعشة حول العالم بشكل عام، وهي بذلك تتشابه مع ما حصل عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، وانتشار جائحة الانفلونزا الإسبانية وقتها والطفرة المالية الهائلة حول العالم حتى الكساد العظيم في 1929.
هل سيكرر التاريخ نفسه أم النظام الجديد الذي يتشكل سيكون له رأي مختلف؟

 

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين نظام جديد وتاريخ يتكرر بين نظام جديد وتاريخ يتكرر



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:57 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
 العرب اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 05:19 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

جنوب السودان يثبت سعر الفائدة عند 15%

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 09:06 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

القضية والمسألة

GMT 09:43 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

استعادة ثورة السوريين عام 1925

GMT 09:18 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الكتاتيب ودور الأزهر!

GMT 10:15 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لماذا ينضم الناس إلى الأحزاب؟

GMT 18:11 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

النصر يعلن رسميا رحيل الإيفواي فوفانا إلى رين الفرنسي

GMT 18:23 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

حنبعل المجبري يتلقى أسوأ بطاقة حمراء في 2025

GMT 21:51 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

انفجار سيارة أمام فندق ترامب في لاس فيغاس

GMT 22:28 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

27 شهيدا في غزة ومياه الأمطار تغمر 1500 خيمة للنازحين

GMT 19:32 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

صاعقة تضرب مبنى الكونغرس الأميركي ليلة رأس السنة

GMT 10:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

صلاح 9 أم 10 من 10؟
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab