صناعة الشخصية والمعايير

صناعة الشخصية والمعايير!

صناعة الشخصية والمعايير!

 العرب اليوم -

صناعة الشخصية والمعايير

بقلم - حسين شبكشي

عند الحديث عن قصص النجاح الخاصة بالأمم والشعوب والشركات والمؤسسات يتم التركيز عادة على الصفات النوعية فيما يخص البيانات والإحصاءات الرقمية والكمية، متغافلين في معظم الأحيان المعايير النوعية، وهي مسألة في غاية الأهمية كما تبينها العديد من الدراسات والآراء المحترمة.
وفي هذا السياق كان أهم من كتب في هذا الموضوع الكاتب الأميركي وخبير تطوير الذات المشهور ستيفن كوفي في كتابه ذائع الصيت «العادات السبع للناس الأكثر تأثيراً» عندما قال إنه من خلال بحثه العميق فيما كُتب خلال مائتي عام من كتب تخص الإدارة وإصلاح الذات في الكتابات الغربية، لاحظ أنه في آخر خمسين عاماً كانت الكتب تركز على مبدأ تطوير الشخصية، بحيث يكون التركيز على كيف تكون من حيث مهارات لباقة الكلام ولباقة المظهر والسلوكيات الاجتماعية المقبولة وطريقة الإلقاء والحضور، ولكن في المائة والخمسين عاماً التي سبقتها كان التركيز على جوهر المعدن؛ الأخلاق والمصداقية والاعتمادية والأمانة صفات تشكل ما يمكن أن يطلق عليه جوهر المعدن.
ويضيف ستيفن كوفي إلى هذه المزايا والصفات صفات أخرى لا تقل أهمية مثل التواضع والبساطة والسلاسة، ويعتبرها صفات أخلاقية في جوهر المعدن، وهي التي تحدد كفاءة الإنسان في مهامه وتحدياته لأنها ببساطة نابعة من الداخل إلى الخارج وليس الغرض منها الإبهار أو الحلول السريعة.
وإلى حد كبير هي نفس الأطر التي بنى عليها كاتب الرأي في «نيويورك تايمز»، ذائع الصيت ديفيد بروكس في كتابه الشهير «الطريق إلى المعدن»، الذي يجمع فيه خصائص من علم النفس وعلم إدارة الأعمال وعلم الاجتماع في رسم أهم الصفات التي تكون المعدن الناجح في شخصية الإنسان ويركز فيها على أن التواضع والعمق الإنساني والوعي الضميري هما البوصلة الأخلاقية التي ترسم طريق النجاح والتميز المستدام للبشر في كل مجالاتهم وفي كل أماكن معيشتهم لأنها العنصر الحيوي الثابت دوماً، وهي نظرة غير مادية بالمطلق.
وفي ذات السياق حاول الفيلسوف الأميركي المعاصر كين ويلبر المعروف بتخصصه الفلسفي في الجمع بين فلسفة الغرب التقليدية من الإغريق (القديم) إلى أميركا الحديثة ودمجها بأهم الأسس التي بنيت عليها معايير الفلسفة الشرقية التقليدية من المدارس الهندوسية والبوذية، وهو الذي كان يفتخر بحمل مؤلفاته في البيت الأبيض كل من الرئيس كلينتون ونائبه آل غور... ويقول كين ويلبر في كتبه إن الضمير هو المعيار الأخلاقي الوحيد للنجاح الذي يجب أن تبنى عليه كافة القواعد الأخرى للشخصية ومعدنها.
وليس هذا الطرح من باب المثالية المستحيلة، ولكنه طرح يصاحبه العديد من الأمثلة القابلة للقياس في الحياة من قصص نجاح في مجال الأعمال والشعوب والسياسة، فـقصة ستيف جوبز مؤسس شركه «أبل»، تقع ضمن هذه القصص، وهو الذي اتبع مبدأ إعادة اختراع الذات بعد طرده من شركته التي أسسها، وعاد بأفكار منهجية أسهمت في صناعة مجد جديد فاق كل ما صنعه أول ما بدأ العمل بها، وأصبحت هذه الشركة مصدر إلهام للعديد من الأجيال التي تلت. ونفس الشيء من الممكن أن يقال عما حققه أكيو موريتا مؤسس شركه «سوني» التي بدأت كشركة مهتمة بالترفيه والصناعة الإلكترونية البسيطة لتصبح اليوم شركة تركز في مجالات الإبداع أياً كان نوع الإبداع وهو الذي يفسر أخيراً دخولها في مجال السيارات الكهربائية في نقلة ثورية بعيدة عما بدأها موريتا من أفكار تأسيسية لها ولكنها عقلية الإبداع الموجودة في الشخصية السوية المختلفة.
وفي عالم الذكاء الصناعي يراقب المتابعون بشغف واهتمام شديدين التنافس المحموم في هذا المجال بين إيلون ماسك مؤسس شركة «سبيس إكس» وغريمه اللدود مارك زوكربرغ مؤسس شركة «ميتا» والمعروفة باسم فيسبوك سابقاً، فهما اليوم وبشكل أساسي يحددان وجهة الذكاء الصناعي وتأثيره على العالم بأسره، فإيلون ماسك يؤمن بأنه لا بد أن يكون هناك سقف أخلاقي للذكاء الصناعي بحيث لا يصبح أداة تدمير وبالتالي خطراً على مستخدميه، بينما يؤمن زوكربرغ بأن الذكاء الصناعي لا بد أن يبقى حراً بلا سقف وأن يتبع المستخدمون توجه هذا التحول المطلق والحر، وهذا المجال خطر وجديد وستكون وجهة مسار العديد من الصناعات والخدمات المستقبلية التي ستستثمر فيها البلايين من الدولارات وتقرر بها مصائر الوظائف والأموال.
ولكن دائماً تظل المرجعية الأساسية للمكونات التي بنيت عليها هي معدن الشخصية القيادية، وبالتالي يمكن الحكم على الاتجاهات المستقبلية لتوجهاتها بناءً على ذلك. وهذا الأسلوب أسلوب منهجي يستطيع من يتبعه أن يتعرف كأنه يتابع نتائج إشاعات صدرية أو إشاعات مقطعية للعقل في طريقة تفكيره ومنهجيته في اتخاذه للقرارات، وبالتالي التوقع كيف ستكون اتجاهات الريح مع هذه الشخصية القيادية وغيرها.
معدن الشخصية يرسم اتجاهات ومصائر الإدارة بشتى أشكالها وهو أهم المعايير.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صناعة الشخصية والمعايير صناعة الشخصية والمعايير



GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 20:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
 العرب اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab