حدود الحرية في عالم اليوم

حدود الحرية في عالم اليوم

حدود الحرية في عالم اليوم

 العرب اليوم -

حدود الحرية في عالم اليوم

بقلم - جبريل العبيدي

إحراق المصحف بدلاً من قراءته وتمعن ما فيه، فكرة شيطانية تدفع نحو صراع الحضارات، وتعتبر مجاهرة بكره الآخر، وتعرقل التعايش والتسامح بين الأديان، بل تعبّر عن الخلل الأخلاقي الناتج عن خلل فكري جراء مفهوم براغماتي للحرية، فالحرية ليست مطلقة العنان للسباب والشتم وتسفيه الآخر ومعتقداته أو حتى إيذاء مشاعره.

فحرية الفرد ليست منفصلة عن حرية الجماعة ولعل المفكر روسو ذهب إلى أن مفهوم الحرية يقوم على تطابق بين إرادة الجماعة وإرادة الفرد، لأنها بذلك قد تتحول إلى فوضى، تتسبب في خطر يقع أثره على الجميع مما يجعل حرية الفرد مقيدة بسلامة المحيط، الذي ينتمي إليه، فحرية الفرد لا تعني مصادرة حرية الآخرين، كخروج الفرد عارياً مثلاً فهو حر في ذاته، ولكنه بهذا الفعل صادر حرية الآخرين، بل تسبب في الأذى لهم بتلويث أبصارهم بمشهده المؤذي، ويقاس على هذا الكثير.

ولكبح الجنوح في مفهوم الحرية، كما قال جون ستيوارت ميل: «السبب الوحيد الذي يجعل الإنسانية أو (جزءاً منها) تتدخل في حرية أو تصرف أحد أعضائها هو حماية النفس فقط، وإن السبب الوحيد الذي يعطي الحق لمجتمع حضاري في التدخل في إرادة عضو من أعضائه، هو حماية الآخرين من أضرار ذلك التصرف».

الحرية تقف وتقيد عند حدود إيذاء الآخرين، سواء في مشاعرهم أو معتقداتهم، فهي لا تعني إحراق الكتب السماوية أمام دور العبادة، سواء كانت للتوراة والإنجيل والقرآن أو حتى كتاب Gita (معتقد الهندوس) فجميعها كتبٌ لها من يعتقد بها، ولا يجوز إحراقها أو تدنيسها. المفهوم البراغماتي للحرية خلل فكري عائق أمام التعايش المجتمعي سلمياً، وهذا ما دفع البعض إلى إحراق مصاحف القرآن، الأمر الذي سيدفع نحو صدام مجتمعي، وألسنة اللهب قد تتطاير وتصل إلى أماكن أخرى، حيث لا يمكن السيطرة عليها ولا إطفاؤها.

إن إحراق الكتب يعدُّ من سلوكيات الجماعات المتخلفة والهمجية عبر التاريخ، كما فعل هولاكو ونيرون وكسرى، وإن كان سائداً في العصور المظلمة على أوروبا والعالم الغربي، وتكراره اليوم يعكس حنين البعض من الفاعلين إلى عقيدة هولاكو ونيرون. تم إحراق المصحف وتدنيس أوراقه رغم أنه كتاب الإسلام دين الله ومن الله، وهو دين تسامح، ولا يوجد به ما يدعو لكراهية الآخر، بل فيه «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِينِ» وجاء فيه أيضاً: «لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ». بل إن في القرآن سورة كاملة عن مريم البتول، وذكر اسم عيسى في القرآن 25 مرة، فيما ذكر سيدنا محمد 4 مرات فقط، ولا يوجد في القرآن ما يدعو إلى العنف، بل طالب المسلمين وأمرهم بالسلم إن جنح الآخر للسلم. الذي فكر في حرق المصحف لم يفكر في قراءته، في السويد التي من المفترض أن تكون مقراً للتعايش بين الأديان، إلا أن استمرار منح الإذن للمخبولين وأعداء التعايش السلمي بحرق المصحف وأمام مساجد المسلمين في السويد، محاولة استفزازية لمليار ونصف المليار مسلم في العالم بتفكير راعيها إحراق القرآن الكريم، تؤكد سياسة الدفع نحو التصادم بين الأديان، والتحريض على الكراهية ونشر ثقافة كره الآخر وعزله. المبررات التي تسوقها الحكومة السويدية لمنحها أذونات التظاهر ومهرجانات الحرق والكراهية، غير مقبولة ولا يمكن الاقتناع بها، رغم تلونها بشعارات «حرية التعبير» التي ستسقط عنها ورقة التوت لتتعرى أمام أول اختبار بالمساس بما هو معادٍ «للسامية»، أو محاولة حتى التشكيك في أعداد ضحايا الهولوكوست، وليست فقط في حقيقة حدوثها من أصلها. هذا يؤكد أن مبررات حكومة السويد مجرد أضاليل لتبرير سياسة انتقائية ممنهجة لا يمكن القبول بها في نظام عالمي جديد من المفترض أنه ينبذ خطاب الكراهية. ولكن لا أعرف لماذا لا يفطنون لهذا، ولم أجد مبرراً لهذا سوى المكابرة والسياسة البراغماتية والانتقائية التي ترى الحق والخير والحرية فيما يخدم مصلحتها وسيطرة العقد اللونية في جهل مطبق. السلم الاجتماعي من أكبر النعم، فإذا غاب برزت أنياب الشرور كلها، لا يصح أن تطغى فئة على أخرى، أو مجموعة على أخرى بأي حال من الأحول.هل من الممكن أن يخرج رجل وهو شهر سلاحة للناس من دون أن تقبض عليه الشرطة، هذا مستحيل أن يحدث في لندن مثلاً، وفي هذا المشهد سوف نرى فرقة مسلحة بل مدججة بالسلاح لعلاج هذا الموقف؟!هذا الموقف في نظري شبيه بما فعله الشاب العراقي الذي حرف المصحف. هذا تهديد صريح للتعايش والسلم الاجتماعي. وهو فضل مصلحته الشخصية بمحاولة تخريب التعايش السلمي، هو أراد أن يحرق أوراق العودة إلى العراق غصباً، فأراد أن يغصب الدولة على على قبوله فيها، ولو على حساب الأمن المجتمعي. النرجسيون دائماً هكذا، همهم أنفسهم لا غير.لسنا هنا في خضم تذكر سماحة الإسلام بل يكفي أن نقول إن برنارد لويس قال في كتابه the west and the middle east : «لقد نجح الإسلام في جمع التسامح الديني التقليدي فيما لم ينجح غيره».المتطرفون النرجسيون هم من يسعون إلى هدم التعايش السلمي، على العكس من المؤمنين في كل البلدان الذين يسعون نحو «الله محبة».

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حدود الحرية في عالم اليوم حدود الحرية في عالم اليوم



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab