بقلم - جبريل العبيدي
تنظيم جماعة «الإخوان» يعاني من أكبر عملية تشظٍ وانقسام غير مسبوقة عبر تاريخه القديم والحديث، تتجاوز الخلاف المعلن بين جبهتي إبراهيم منير القائم بأعمال المرشد العام لجماعة «الإخوان»، ومحمود حسين، الأمين العام السابق للجماعة؛ فالخلاف والانشقاقات ليست فقط بين رجلين يتنافسان على كرسي المرشد، قد تنتهي بالمصالحة بينهما، ضمن صفقة إرضاء أحدهما للتنازل للآخر، بل الأمر يتجاوز ذلك بكثير بعد أن تفاقمت الأزمة داخل التنظيم الإرهابي جراء الانتكاسات المتكررة والانهيار الكبير للتنظيم ودوره في المنطقة وخسارته أغلب مناطق نفوذه في الشرق الأوسط التي استولى عليها في غفلة «الربيع» العربي.
جبهة أعضاء الجماعة داخل السجون، تعتبر نفسها الوصي على الجماعة والتنظيم، وأنها لا تزال صاحبة الولاية «الشرعية» التي انعقدت لها البيعة بالولاء والطاعة؛ كونها تضم بين صفوفها المرشد الأخير للجماعة محمد بديع، وترى أنها صاحبة البيعة والولاية، والباقون مجرد انقلابيين، بينما جبهة الشباب خارج السجون ترى في عجائز التنظيم السبب في فشل التنظيم وانهياره، ولا بد من التجديد، ولديها تحفظ على مواقف عجائز الجماعة، وجبهة أخرى قررت الانشقاق وترك الجماعة والبراءة منها، ولو بالتقية والخداع كما فعلت قيادات بارزة في الجماعة في مصر وتونس وليبيا، زاعمة ترك الجماعة وشق عصا الطاعة وحل البيعة بالولاء والطاعة للمرشد.
الخلاف والتشظي داخل جماعة «الإخوان»، لأول مرة في تاريخ التنظيم يخرج للعلن وتصبح بارزة، ففي الماضي كانت الجماعة تتكتم على الخلافات وتحاول لملمة الخلاف داخل بيت الجماعة وفي السر، ولكن هذه المرة أصبح الخلاف والشرخ كبيرين غير قابلين لأي ترقيع أو إصلاح، بعد أن طفت الصراعات بين القيادات على السطح وبات إخفاء الخلافات والانشقاقات صعب المنال، في ظل فشل كبير مُنيت به الجماعة غير مسبوق في تاريخها.
تنظيم «الإخوان» من أكثر التنظيمات السرية في تاريخ البشرية، ولكن ضعف أعضاء التنظيم أمام حب المال والسلطة هو ما جعل التنظيم في ورطة، بعد اتهامات بسرقة الأموال والمخالفات المالية والإدارية في إدارة ثروة التنظيم، التي تضخمت بعد نهب التنظيم خزائن البلدان التي استطاع تولي السلطة فيها، مثل مصر وليبيا وتونس.
التنافس على زعامة التنظيم تفاقمت بعد سجن بديع والقبض على محمود عزت. في بضع سنين من اعتقال المرشد محمد بديع، بدأ الصراع بين إبراهيم منير القائم بأعمال المرشد العام لجماعة «الإخوان» ومحمود حسين الأمين العام السابق للجماعة، أي بين جبهتي إسطنبول ولندن.
ولعل الخلاف بين جبهتي لندن وإسطنبول، يعود إلى خلاف استخباراتي؛ فالجماعة التي أُنشئت على أن تكون تنظيماً للإيجار، انخرطت في أعمال إرهابية قذرة في بقاع شتى من العالم واستخدمت في مشاريع متعددة، ليس آخرها الفوضى الخلاقة المسماة «الربيع» العربي.
رغم الخبرة لدى التنظيم في التخابر مع أجهزة المخابرات الأجنبية، والتعاطي بازدواجية معايير ومفاهيم وحتى أخلاق، فإنه لم يستطع التوفيق بين الخلاف الاستخباراتي بين دول الايواء والدول الداعمة، مع تخلي بعض دول ايواء التنظيم عن دورها في إيواء عناصر التنظيم، بعد أن أدركت أنهم مزعجون وبلا فائدة، بل وطالبت بترحيل بعضهم مع تخلي الدول الداعمة عن تمويل التنظيم، بسبب توافق إقليمي أو دولي أجبرها على التخلي عن التنظيم. وجميعها مسببات جعلت الخناق يضيق على الجماعة المتشظية الآن بين إسطنبول ولندن.
تعدد الجبهات وتشظي التنظيم يؤكدان سقوط المشروع الإخواني نهائياً، وبات القفز من المركب الغارق سمة المرحلة، وبدأ فعلاً القفز، خاصة من قِبل قيادات الصفين الثاني والثالث، لعلها تنقذ ما يمكن إنقاذه من بقايا التنظيم المنهار بالهروب للضفة الثانية.
أياً كانت سيناريوهات النهاية الوشيكة للتنظيم الضال المضل، ستكون البشرية قد تخلصت من أكثر التنظيمات في التاريخ دموية.