بقلم - جبريل العبيدي
الجميع اليوم يترقب الدخان الأبيض في تونس، معلناً توافقاً ليبياً ليبياً لحل أزمة طالت لسنوات، فالأزمة الليبية عانت من عمليات الترحيل المتعمد من غدامس الليبية إلى الصخيرات المغربية إلى العاصمة تونس إلى جنيف السويسرية، لتعود إلى بوزنيقة المغربية ثم غدامس الليبية بلجنة العسكريين (5+5) التي تتضمن جنرالات عسكريين من الطرفين، والتي سمتها ستيفاني ويليامز لجنة العشرة، بعد توافقهم واتفاقهم على وقف إطلاق النار وإخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب، وتوحيد المؤسسة العسكرية، وبذلك مهدوا بتوافقهم الطريق أمام السياسيين في حوارات تونس، لا أن تتحول إلى نسخة معدلة لاتفاق الصخيرات السابق، والذي تم خرقه في أغلب بنوده، ولم يحقق أي استقرار في ليبيا.
يبقى حوار الليبيين في تونس بارقة أمل و«فرصة حقيقية لتحقيق تقدم في العملية السياسية الليبية» كما قالت رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالإنابة ستيفاني ويليامز، وكذلك أهمية إشراك دول الجوار الليبي في حوارات التسوية السياسية في ليبيا، والاستفادة من مخرجات حوار لجنة العسكريين العشرة للمساهمة في حل الأزمة الليبية.
فحوار تونس رغم عدم التوازن في التمثيل المجتمعي والسياسي في قائمة الحضور، فإنه يبقى خطوة إيجابية مهمة، وإن كان يشوبها استبعاد شخصيات وطنية فاعلة؛ سواء ممن شارك أو يؤمن بحراك فبراير (شباط) 2011 غير المسلح، أو حتى من لا يزال متمسكاً بحراك سبتمبر (أيلول) 1969 غير المسلح، من قائمة الحضور. وهذا يطرح كثيراً من علامات الاستفهام حول من شكَّل اللجنة ومن اختار أعضاءها، كما أن حوار تونس يتم في وجود شخصيات جدلية بعضها متهم بالمجاهرة بالانتماء لجماعات تصنف إرهابية في بعض دول الجوار الليبي والرباعية العربية.
الأزمة الليبية يسعى عديد من الأطراف المحلية والإقليمية والدولية إلى استمرارها، ويمكن حلها عند إبعاد هذه الشخصيات الجدلية، الشخصيات التي لا تمثل الليبيين؛ بل بعضها يمثل تنظيم «الإخوان» الدولي ودولة المرشد، وأخرى تبايع تنظيم «القاعدة» وتجاهر بهذا، ولها صلات مباشرة معه، وجميعها لا تؤمن بجغرافيا الدولة الوطنية ولا بحقوق المواطنة للجميع.
حوار تونس قد يكون مقدمة لدعوة جادة للنشطاء الوطنيين ومشايخ القبائل وأساتذة الجامعات والمجتمع المدني، إلى مؤتمر ليبي ليبي جامع، قادر على أن يحدث فرقاً إيجابياً وجوهرياً يتبلور في حل سياسي ينتهي بانتخابات، بعد أن سئم الليبيون من المراحل الانتقالية التي أهدرت المال والجهد من دون أن تحقق للمواطن استقراراً مستداماً.
الحقيقة أن ثمة أزمة دولية في ليبيا، وليست الأزمة ليبية خالصة، فهناك حالة الاستقطاب الإقليمي والتنافس الدولي بين إيطاليا وفرنسا مثلاً على إدارة التسوية السياسية، في ظل وجود فوضى سلاح تربت وترعرعت طيلة سنوات، تمكنت من خلالها هذه الميليشيات من إحداث تموضع وتمركزات لها في ليبيا.
الأزمة الليبية بها حروب بالوكالة، وصراع شركات نفطية على ثروة البلاد النفطية، كصراع شركات «توتال» و«إيني» و«برتش بتروليوم»، ومطامع تركيا إردوغان في غاز شرق المتوسط وليبيا، وذلك برسمه خطوط حدود جغرافية وهمية تمكنه من نهب غاز وثروات المتوسط ونفطه، باتفاقية باطلة جعلت منها دولة حدودية مع ليبيا، وهي تفصلها عن تركيا بحار وجزر اليونان.
المتغيرات الدولية، ووجود إدارة جديدة في البيت الأبيض الأميركي، قد تفتح الباب أمام متغيرات كثيرة في ليبيا خاصة والمتوسط عامة، ومنها كف يد إردوغان في المتوسط التي أطلقها الرئيس دونالد ترمب.
في تونس الخضراء، يبقى الأمل في صعود الدخان الأبيض معلناً حكومة وحدة وطنية ليبية، بعد أن تحقق إسكات البنادق والمدافع لشهور حتى الآن من دون خروقات تذكر.