بقلم -فـــؤاد مطـــر
في الوقت الذي كان مسلسل تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، ودخول الفراغ الرئاسي شهره الخامس، ولا ما يشير إلى أن الفراغ سيُملأ، كان هنالك من يتأمل في كيف أن بعضاً من اللبنانيين في بلاد الاغتراب الأميركي، ومن دون التعقيدات كالتي يعيشها أولياء الأمور الحزبية والحركية والتيارية في لبنان، وصلوا إلى المناصب الأعلى. وعلى سبيل المثال؛ ميشال تامر الذي ترأس البرازيل ذات دورة، وعبد الله بوكرم الذي نال رئاسة جمهورية الإكوادور. كما تبوأ كثيرون مناصب وزارية متقدمة ومناصب استشارية وإدارية، ومن دون أي تعقيدات. وقد تم ذلك ليس على قاعدة الهوى والهوية وإنما على قاعدة ماذا قدَّم هذا لكي يستحق المنصب، وما هو المطلوب منه تقديمه في المنصب الجديد.
حتى عندما اختير ابن بلدة الكفير، إحدى قرى جبل حرمون، فارس الخوري المسيحي البروتستاني الأرثوذكسي الجذور، رئيساً للحكومة في سوريا قبل 69 سنة، بعد عدة مناصب حكومية تولاها، ونجح في جمع الأضداد من الزعامات الحزبية التقليدية حوله، فإن اختياره تم على أساس قدرته على أن يثري العمل السياسي الوطني العروبي.
هذا الذي نشير إليه حدث قبل عقود من ترؤس اثنين من الآسيويي الأصل الحكومة في كل من بريطانيا (ريشي سوناك) وأسكوتلندا (حمزة يوسف). وتم الترئيس على قاعدة الكفاءة، وليس هذا مسيحي، وهذا مسلم، وهذا هندوسي، وهذا يهودي. المهم في الأمر هو ما الذي سينجزه، وهل سيكون في خدمة الشعب والولاء للوطن والتمسك بالسيادة وعدم ركوب المخاطر واعتبار الأوطان أوراقاً في اليد تُستعمل مالياً أو حزبياً لتحقيق أهواء ذاتية.
هل إن مزيداً من الأشهر سيعيشها اللبنانيون، من دون رئيس للجمهورية، وفي ظل قضاء متعطل وحكومة غير مكتملة الشأن والثقة الشعبية بها، وفي المقابل تصدع متواصل لمؤسسة تلو أُخرى وكيان اقتصادي وتجاري ومصرفي تلو كيان، واحتمالات صادمة، من بينها أن تغلق المدارس الأبواب، وينفرط العقد الأمني.
الإجابة عن ذلك واردة، وإن كانت هنالك ملامح إعادة نظر من جانب مَن استقرت التسمية لها بأنها «الدويلة داخل الدولة»، يمكن في حال توسيع مدارها تحقيق الانفراجات المأمولة. فقد حدث في لبنان الذي كان على موعد مع شهر الصوم رمضان المبارك والفصح المجيد، أن تمت عملية خارج الأصول المتبعة فيما يخص أملاك الدولة ومؤسساتها. وفي غمضة أعين، أبرم نجيب ميقاتي رئيس الحكومة غير المكتملة المقومات والمقتصرة على تصريف أعمال روتينية بالتعاون مع أحد وزراء حكومته (وزير الأشغال علي حمية) عقْد تلزيم مبنى جديد في مطار الدولة. ثم بعد حملة إعلامية تلفزيونية، وعبْر وسائل التواصل التي أخذت مداها الرحب في تحديد الأرقام والتسميات، أصابت العقد المبرم في الصميم بحيث أظهرته أنه صفقة رابحة لمن عقدها، خاسرة للوطن مالياً، وما هو أكثر من ذلك، خرج الوزير الذي يمثل «حزب الله» في الحكومة ليعلن إلغاء العقد، وكأن ذلك لم يتم.
المهم في الخطوة أن الوزير قال إنه يلغي بطلب أو بنصيحة من «حزب الله» الذي يمثله. معنى هذا أن العائد المجزي من الصفقة كان لمصلحة الحزب وحليفه «حركة أمل» أو بما هي التسمية المتداولة «الثنائي الشيعي».
وأما الأمر الأكثر أهمية فهو أن الوزير، الذي يمثل «حزب الله»، وقال إنه يلغي ما سبق أن اعتبره إنجازاً، طرح في ساحة الوضع السياسي البالغ التعقيد احتمال أو افتراض أن الأمين العام «حزب الله» السيد حسن نصر الله على أهبة أن يكون غيره المتمسك بالرؤى التي يطرحها، أي بما معناه أنه ما دام أعاد النظر وبالعلن، وأن ذلك كان بالطلب من الوزير التراجع عن قرار اتخذه أو أجازه، فهذا يعني أنه من الممكن إعادة النظر في مواقف وطروحات، من بينها ما يتعلق بانتخاب رئيس للجمهورية شخصاً ومواصفات.
كما يعني في ضوء انفراجة في العلاقة السعودية - الإيرانية لم تكتمل فصولاً بعد، أنه يمكنه تعديل الموقف من أجل أن تأخذ الانفراجة مداها، أي بما معناه؛ لا يعود السلاح ورقة، والمقاومة شرطاً، واستضافة الثوريين في أرض لبنان وفضائه مستدامة.
ومثل هذه الأمور كانت تحتاج إلى بداية إعادة نظر على طريقة خلط الأوراق، أو القراءة المتأنية في المشهد الإقليمي - الدولي الذي تضاف يوماً بعد آخر مفاجأة إليه... أحياناً سارة، وأحياناً تستوجب التأمل... وقبل أن يفوت الأوان.
... وهكذا، فإن إلغاء وزير «حزب الله» ما أقدم عليه هو خطوة محمودة، شأنه فيما فعل شأن العودة عن الخطأ فضيلة. والله التواب والهادي إلى ما فيه الخير والسلامة.