رئاسة وطن الحلم والكابوس

رئاسة وطن... الحلم والكابوس

رئاسة وطن... الحلم والكابوس

 العرب اليوم -

رئاسة وطن الحلم والكابوس

بقلم - فـــؤاد مطـــر

قبل اقتحام الرئيس إيمانويل ماكرون ساحة التأزم السياسي في لبنان مستبقاً الاقتحام بتفقد حالات الدمار الناشئة عن التفجير المعروف المُجهَّل فاعله في ميناء بيروت وبزيارة للمطربة فيروز في منزلها، وفي ضوء تلك الزيارة التفقدية أتبع الاقتحام بتكليف وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان (كان قد شغل أيضاً منصب وزير الدفاع) التعاطي كوسيط مع ملف أزمة رئاسة لبنان... قبل ذلك الاقتحام كانت للرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان تجربة اقتحام مماثلة تمثلت بتكليف جورج غورس بالملف اللبناني وتحديداً بالخلافات التي تزداد في شأن مَن يترأس الجمهورية خلفاً للرئيس سليمان فرنجية (الجد) الذي اضطر «مجبراً لا بطل» على اختصار ولايته الرئيسية ليتم بعد ذلك إحلال آلياس سركيس ضمن معادلة حدثت قبل سبع وأربعين سنة (أي في ربيع عام 1976) ولكم يحتاج إليها المأزق الترئيسي الراهن.

وللتذكير فإن رئيس الحكومة (الراحل) رشيد كرامي، أحد كبار المقام السياسي زمنذاك مارس الدور الذي يمارسه لاحقاً السيد صاحب المقام الشيعي حسن نصر الله، الأمين العام ﻟ«حزب الله»، وصاحب الرئاستين نبيه بري (رئاسة مجلس النواب ورئاسة «حركة أمل») مع اختلاف في النيات والقدرات. زمنذاك تولى رشيد كرامي ترشيح آلياس سركيس، الشهابي الهوى المستقيم (في إدارة البنك المركزي العازب الساكن في فندق) لرئاسة الجمهورية، وعلى طريقة «الثنائي الشيعي» راهناً ترشيح سليمان فرنجية (الحفيد). لكن ثمة مرونة في الحيثيات مفقودة من جانب «الثنائي» لجهة اختيار فرنجية ولا مجال لتسمية غيره، بينما كانت حيثيات رشيد كرامي في اختياره آلياس سركيس تتسم بحصافة القطب السياسي الذي يمتلك النظرة الواقعية للأمور وليست ورقة الاستقواء بالشأن السلاحي الذي هو القدرة الوازنة لدى «الثنائي» (حزب الله وحركة أمل). وتعكس عبارات رشيد كرامي في ترشيحه آلياس سركيس ما نقوله في هذا الشأن، حيث سجَّلها على الملأ بالقول: «في ضوء المواصفات التي نراها في رئيس الجمهورية العتيد، وعلى هدى المهمة التي تنتظره بعد هذه الآلام والمآسي التي حصلت، وتقديراً لكل هذا وما نرجوه من إصلاح يتلاءم مع التطور وتحقيقاً للبنان الغد، وبعد الاتصالات والدروس، قررنا تأييد الأستاذ آلياس سركيس، داعين الله بالتوفيق بمؤازرة الجميع، ذلك لأن هذا المركز كغيره هو تكليف وليس بتشريف، على أن هذا لا يعني انتقاصاً من قدْر الآخرين بل إننا نقدِّر كل واحد يطمح إلى هذا المركز، لكنّ المطلوب واحد والمرشحين كثيرون، فإذا لم يحصل الإجماع عليه نثق بأن التنافس سيكون رياضياً، آملين في الخير لهذا الشعب راجين أن يكون الاستقرار والأمن السبيل إلى عودة الحياة الطبيعية...»...

من الجائز القول إن المداوي الفرنسي الحالي لودريان بتكليف ماكرون كما السابق غورس بتكليف جيسكار ديستان لن يشفيا الداء الرئاسي اللبناني، في حين أن هذه الوصفة من جانب قامة سياسية لبنانية عريقة والأسلوب في التخاطب الحاوي من «الكلام الذي يحنن» وينأى عن «الكلام الذي يجنن»، وهذا من الأمثلة الشعبية العريقة من زمن الأجداد والجدات، فعل فِعله حتى لدى الأكثر تشدداً في الصف الماروني المتداوَل اسمه في بورصة الرئيس الوارث لرئاسة سليمان فرنجية المنقوصة بضعة أسابيع، ونعني بالذات رئيس حزب الكتائب الشيخ بيار الجميل مع التمني أن يعتمد الحفيد سامي الجميل خصوصاً بعد المصاهرة اللافتة، حصافة رشيد كرامي في تخاطبه الذي تعلو الحدة فيه بعد كل مرة يتحدث فيها شاهراً مفردات لا تحقق ما يأمله المتطلعون إلى سكب المزيد من الماء البارد على نار التباغض التي تزيدها المفردات اشتعالاً وعناداً لدى الطرف المستهدَف وتحديداً «حزب الله» و«حركة أمل» من دون الأخذ في الاعتبار أن هذا الثنائي مستحوِذ على النسبة الأعلى من ولاء جمهورَي الطائفة (حزب الله وحركة أمل) لهما. وكنموذج لمضمون التخاطب المأمول من جانب رئيس الكتائب سامي الجميل الأخذ به نستحضر إعلان جده الشيخ بيار الجميل عزوفه عن الترشح لرئاسة الجمهورية، وهو المتداول اسمه زمنذاك في أوساط طائفته أكثر من غيره، بعد الحيثية التي أوردها رشيد كرامي يوم الجمعة 16-4-1976. فقد أعلن الشيخ بيار الجميل في اليوم التالي (السبت) ومن دون الإكثار من التشاور مع رموز الطيف السياسي الماروني أنه غير مرشح للرئاسة واضعاً في الوقت نفسه (كي لا يقال إنه مع رشيد كرامي في اختياره آلياس سركيس بالذات) مواصفات الذي يفضله رئيساً للجمهورية ومنها «أن يكون حائزاً ثقة الأكثرية من اللبنانيين بعيداً عن أجواء التحدي وقريباً من الرضا العام وأن تتوافر له طاقات العطاء والعمل المجدي في المرحلة المقبلة، هذا عدا ما يجب أن يتصف به من صدق وإخلاص وقدرة على بناء الدولة وإعلاء شأنها داخلياً وخارجياً...»...

كان بمقدور الشيخ بيار أن يعتمد الحدة تعبيراً عن موقف لجهة الترشيح، ذلك أن شأنه الحزبي، إذا جاز القول، بمثل شأن «حزب الله» راهناً وذلك لأن ابنه بشير متمكن إلى حد كبير سلاحاً وجماهيرية ولكنه آثر الموقف الهادئ والمتناغم مع موقف القُطب السُّني، ربما لتمهيد الترؤس مستقبلاً أمام ابنه بشير وهذا ما حدث بعد انتهاء ولاية آلياس سركيس، وربما لأنه يحرص على لبنان الباقي موحَّداً. وفي الرُّبميْن خيراً كان موقف الذي يُذكر له مِثل ذكْر مماثل للقطب السُّني رشيد كرامي، رحمة الله على الاثنيْن.

ما يراد قوله من هذا الاستحضار والهوامش، تفادياً لاحتمال المبغوض حدوثه كما الذي باتت عليه أحوال السودان، هو أن أهل العمل السياسي الحزبي القوي بسلاحه أو القوي بمعتقده أو القوي باستقلاليته، مطالَبون بترتيب أمورهم من دون إضاعة وقت وطروحات تأتي حالياً من الوسيط الفرنسي لودريان وسبق أن أتت قبل نحو نصف قرن من وسطاء آخرين، من بينهم على سبيل المثال دين براون الوسيط الذي اختاره الرئيس الأميركي جيرالد فورد مزكّى بتوجيهات وتخريجات كيسنجرية، وكوف دو مورفيل الذي اختاره الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان، والدكتور حسن صبري الخولي الذي اختاره الرئيس أنور السادات.

في زمن الوسطاء الذين أوردنا أسماءهم وكانت لهم مواقف متعاطفة مع الأحوال اللبنانية ورغبة حقيقية في أن يَسْلم الكيان والصيغة من خيارات غير محسوبة بدقة، كان الضيف الفلسطيني لاعباً من جملة اللاعبين في الساحة اللبنانية ثم بات في جزئية منه هذه الأيام متلاعباً وشريراً. وكان الشقيق السوري الأسدي مصوِّباً على لبنان بأمل جعله إقليماً في صيغة اتحادية على نحو ما كانت عليه سوريا إقليماً في «الجمهورية العربية المتحدة». لا الحلم السوري تحقق، وهذه سوريا مرشَّحَة لأن تصبح أقاليم، ولا الحلم الناصري صمد. وها نحن على مدى بضعة أيام من الذكرى الثالثة والستين لانفصال سوريا عن مصر (28 سبتمبر-أيلول 1960). ومن بعد تلك التجربة باتت أحلام بعض أوطان الأمة تنحصر في بقاء الكيان على حاله لا يصيبه ما أصاب سوريا واليمن والسودان وليبيا والعراق... وها هو لبنان برسم الإصابة لا قدَّر الله، فيما اللبناني المغلوب على أمره والناجي من جانحة أحزاب وقوى وحركات التلاعب بالمصير الوطني يواصل التساؤل: لماذا عمى البصائر هذا؟ وإلى متى ستبقى رئاسة لبنان صناعة غير لبنانية يصار إلى تسويقها سلعةً نادرةً غير خاضعة للمفاصلة؟ بل إلى متى ستبقى الرئاسة اللبنانية الأولى مثل كرة تتقاذفها أقدام فريقين يجاهد كل منهما للفوز بالمباراة الميلودرامية؟ أليس أكرم لأولئك اللاعبين المعطِّلين ألّا يكونوا متلاعبين بأقدار الوطن والشعب عموماً وجمهورهم من هذا الشعب؟

وفي ضوء ما هو حاصل ستصبح العبارة التقليدية للترويج «صُنع في لبنان... عدا رئاسة الجمهورية».

والله مع الصابر إذا صبر في انتظار تحقيق حلم السيادة الحقيقية للوطن وارتداد الكوابيس إلى ما وراء السياج.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رئاسة وطن الحلم والكابوس رئاسة وطن الحلم والكابوس



الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
 العرب اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 20:22 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد الأوروبي يعلن صرف 10 ملايين يورو لوكالة "الأونروا"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab