تأملات في قمم المنتجعات

تأملات في قمم المنتجعات

تأملات في قمم المنتجعات

 العرب اليوم -

تأملات في قمم المنتجعات

بقلم: فـــؤاد مطـــر

عند التأمل في أجواء القمم الأممية المتلاحقة؛ من قمة المناخ «كوب 27» التي استضافها الرئيس عبد الفتاح السيسي في شرم الشيخ - 6 نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 - إلى قمة العشرين التي استضافها الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو في بالي (الثلاثاء 15 نوفمبر)، قبل أن تزلزل الأرض زلزالها في إحدى مناطقها، وبعدما كان القوم العشروني غادروا، إلى قمة «أبيك» في بانكوك (الجمعة 18 نوفمبر)، إلى القمة الفرنكوفونية في دورتها ا18 في جربة بتونس (السبت 19 نوفمبر)، فإن المتابع لأجواء هذه القمم مثل حالنا، يجد ذاكرته تستحضر أجواء الستينات، ذلك الزمن الذي نشأت فيه حركة عدم الانحياز ونمت وأخذت حقها من الالتفاف الشعبي حولها، قبل أن يزعزع كبار الشأن الدولي بصراعاتهم وشغفهم في سباق التسلح والمناكفات التي تؤسس لحروب بنيان تلك الرحلة، مستغلين في ذلك الرحيل المفاجئ والمتتابع لكل رموزها.

في القمم النوفمبرية الأربع انحسار ملحوظ لمفردات الصراع وتشاوف الكبار على مَن دونهم. ربما يكون المكان أحد العوامل في ذلك، حيث القمم استُضيفت في منتجعات بدءاً بالساحل الذي يبعث البهجة فيه بعدما حولت مصر شرم الشيخ إلى ريفييرا مصرية خلبت ألباب الذين قصدوها وبالذات الروس الذين كانوا قاصدين دفء شواطئها وأطايب مطاعمها لولا أن رئيسهم فلاديمير بوتين رماهم في حرب مفضلين أن تبقى الحال على ما هي عليه ومن دون كابوس استعادة الفرع الأوكراني إلى الأصل الروسي بحرب، تكراراً مريراً للكابوس الصدَّامي الذي حاول بمقتضاه العراق الصدَّامي التهام الكويت، لكن الأمر انتهى إلى أن تحالفاً دولياً بقيادة أميركية - بريطانية التهم العراق وحقق للثورة الإيرانية الفاغرة فاها ما تبغيه انتقاماً من هزيمة ألحقها عراق صدَّام بها، ثم البدء بقضم سيادة العراق وعروبته وشأنه كرقم بالغ الأهمية في المعادلة العربية - الإقليمية - الدولية.
وكما أجواء منتجع شرم الشيخ جعلت التطلعات السياسية تتراجع نسبياً أمام الضرورات الإنسانية، فإن الانعقاد في بالي إحدى الجزر الإندونيسية الساحرة جعل بعض الذين في نفوسهم هوس السيطرة واعتماد القبضة عنصر قوة لهم، يتأملون في جماليات المكان الذي هو هبة من رب العالمين إلى بني البشر لكي ينعموا فيه ويجددوا الشكر لله سبحانه وتعالى مع إشراقة شمس اليوم. وبطبيعة الحال، فإن سحر الطبيعة في مكان مثل ساحل شرم الشيخ في مصر وجزيرة بالي في إندونيسيا له تأثيره البالغ خلاف ما كان الانعقاد سيتم في قاعات مُحْكمة الإغلاق في عواصم تكاد تختنق من تكدس البشر والسيارات والمناخ الذي يكتم الأنفاس كما هي الحال في القاهرة وجاكرتا على سبيل المثال لا الحصر حول العواصم والمدن التي تجاوز الاكتظاظ السكاني فيها نقطة الاختناق في انتظار أن يشق السعي المناخي طريقه فيعالج ما يتوجب العلاج. وللمناسبة يا ليت المسربَل بنوازع الحرب وتدمير البنى التحتية ومحطات توليد الكهرباء وتشريد الناس في الشوارع مذعورين، ونعني بذلك الرئيس بوتين، أتى إلى بالي كما الآخرين ولم يرسل وزير خارجيته، وحاول بالحسنى وليس بالمفردات النووية، تهدئة خواطر الجمع الدولي الغاضب على ما فعله حرباً وحجباً للغاز استباقاً للبرد القارس عن مجتمعات في أكثرية دول العالم ترى أن السلام على الأرض والمحبة بين الناس والحمد والشكر على نِعَم الله على عباده واعتبار الهوس النووي انتهى في هيروشيما ولا سماح لاستعماله من جانب مالكيه تنبيهاً للجنوح الإيراني نحو امتلاك هذا السلاح وعدم التأمل في مطالب الناس التي هي الحد الأدنى والإمعان تصويباً بالغ الخشونة لحالات الغضب الشعبي ومعالجة هذه الحالات بتوسيع منسوب العقاب من دون الأخذ في الاعتبار أن هذا العقاب قد يردع إلى حين لكنه يسرِّع في تينيع الثورة الخمينية ويقرِّب حين قطاف نظام مرشدها خامنئي. ومع التصحيح الموجب اتخاذ خطوة في شأنه من جانب بوتين، توضيح يلقى القبول وليس اعتذاراً يصعب الإفصاح عنه، دعوة الحاضرين إلى مضافة لهم على شواطئ البحر الأسود يكون فيها فلاديمير الآخر (الأوكراني) حاضراً وممدودة اليد الروسية إلى اليد الأوكرانية. وهذا ما يريده الناس بدءاً بالرأي العام الروسي فالأوكراني فسائر بني البشر في القارات الخمس التي باتت عاديات المناخ تقض المضاجع وتخطف الطمأنينة من النفوس.
لم تكن بانكوك منتجعاً سياحياً وإنما عاصمة رمز تجربة مشهودة في التنمية، رحبت خير ترحيب بزائرها ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان المتميز مكانة ودوراً طموحاً في إدارته لسياسة المملكة والتعامل مع دول العالم وبالذات الكبار الذين ترتبط الصراعات بهم. فقد انتهج الأمير محمد نهجاً من العلاقة المتوازية مع كل من الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا جعلتْه يبدو رائد نهج لمفهوم جديد لتجربة عدم الانحياز، بمعنى أنه لا خوف من هذه الدول الكبرى أو تلك ولا الحاجة إلى أميركا وروسيا كما في الماضي غير البعيد وإلى الدول الثلاث الباقيات، وإنما بناء الدولة المتماسكة القادرة على أن تبقى في منأى عن طلب الحاجة الماسة، وفي الوقت نفسه النأي عن تفضيل دولة كبرى عن دولة سواء بداعي الخشية أو بداعي ضرورة مراعاة موقعها وإلى درجة الاصطفاف، صراعاً بارداً كان الموقف أو حرباً طاحنة. ولنا في التعامل السعودي - الإماراتي عموماً مع الحرب الروسية في أوكرانيا الدليل على الموقف المتوازن مع دول ا«ناتو» وكيف كان الموقف متميزاً بنكهة من سياسة عدم الانحياز بالنظرة المعدَّلة لهذه السياسة قياساً بسياسة تجربة عدم الانحياز في الستينات.
خلاصة القول إن اهتمامات الشعوب بعد الآن هي حول العيش الهانئ والسلام السائد والمناخ الصحي والماء النقي. ما عدا ذلك لا مكان له في النفوس. وما أفرزته قمم المنتجعات تشكل أحد معالم الزمن الآتي... زمن الانحياز إلى ما ينشر الطمأنينة في النفوس والخير على الأرض...
والدعوة مستمرة لهداية الذين في أشد الحاجة إلى الهداية.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تأملات في قمم المنتجعات تأملات في قمم المنتجعات



أحلام بإطلالات ناعمة وراقية في المملكة العربية السعودية

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 17:14 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

عاصفة ثلجية مفاجئة تضرب الولايات المتحدة

GMT 11:55 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

مصر والعرب في دافوس

GMT 11:49 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

ليل الشتاء

GMT 17:05 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

مانشستر سيتي يوافق على انتقال كايل ووكر الى ميلان الإيطالى

GMT 17:07 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

كاف يحدد مكان وتوقيت إقامة قرعة كأس أمم إفريقيا 2025

GMT 03:19 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

القوات الإسرائيلية تجبر فلسطينيين على مغادرة جنين

GMT 17:06 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

بوروسيا دورتموند يعلن رسميًا إقالة نورى شاهين

GMT 17:04 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

شهيد و4 إصابات برصاص الاحتلال في رفح الفلسطينية

GMT 17:10 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

ارتفاع حصيلة عدوان إسرائيل على غزة لـ47 ألفا و161 شهيداً

GMT 09:58 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

أنغام تثير الجدل بتصريحاتها عن "صوت مصر" والزواج والاكتئاب

GMT 09:48 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

منة شلبي تواصل نشاطها السينمائي أمام نجم جديد

GMT 17:09 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا إلى أعلى مستوى منذ نوفمبر 2023

GMT 09:23 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

لغز اليمن... في ظلّ فشل الحروب الإيرانيّة

GMT 09:55 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

هنا الزاهد تنضم إلى كريم عبد العزيز وياسمين صبري

GMT 19:45 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

هل سيغير ترمب شكل العالم؟
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab