لبنان المريض والمرضى والممرضون

لبنان المريض... والمرضى... والممرضون

لبنان المريض... والمرضى... والممرضون

 العرب اليوم -

لبنان المريض والمرضى والممرضون

بقلم - فـــؤاد مطـــر

حفلت السنة التي انقضت بالحد الأكثر من امتهان أهل السُلطة اللبنانية للوطن والشعب على حد سواء، وتمثل الامتهان المشار إليه بكلمات أُلقيت لمناسبات أو خلال لقاءات للمثلث الرئاسي بزوار أجانب أو هيئات محلية. وعند التأمل في الذي قالوه يخرج المرء باقتناع أن الكلام الذي قالوه أو قيل عنهم بالوكالة، جاء تطويلاً لا مبرر له، وجاء بالتالي لا جدوى منه، مع أن واقع الحال المزري الذي يعيشه الإنسان والكيان في لبنان يتطلب ما يوجزه التشبيه المتعارف على حُسْن صياغة حروف كلمتيْه، وهما: مختصر مفيد.
لم يكن ما أسمعه المثلث غير المرْضي عنه وسائر الأذرع المتصلة به للبنانيين المكتوين بكل أنواع الإذلال، هو ما يبعث الطمأنينة في النفوس وينشر مشاعر الثقة بأن هؤلاء صادقون مخلصون حادبون فيما يقولون. وهكذا فإن ما قيل لا هو مختصر... ولا هو مفيد، ولحق العام 2021 بالعام 2020 وببقية الأعوام الأربعة العجاف.
في مقابل المثلث الرئاسي الذي يمارس رموزه الثلاثة مقاليد السُلطة وسيناريوهات مستقبلية بما يحقق حسابات شخصية يدفع ثمنها الناس، هنالك رموز تبعث رؤاها وصيغ الحلول التي تطرحها على الارتياح والشعور بالطمأنينة... إنما وفق قاعدة «تفاءلوا بالخير تجدوه»، أعني هنا تحديداً أبرزها البطريرك مار بشارة الراعي الذي يطلق التنبيه تلو التنبيه، ومن دون الأخذ بصرف النظر عن ذلك، لأنه لا ألباب يفهمون من إشاراته. وهكذا فإنه إذا كان اللبيب لا يفهم من الإشارة، فعندئذ لا بد من إفهامه من خلال رفْع منسوب التنبيه إلى درجة التحذير بما هو أكثر من ذلك، كأن تكون هنالك دعوة إلى حراك شعبي يوقظ مثلث السُلطة المُبئسة للناس والوطن على حد سواء من نوم ضمائرهم. ولولا الخشية من أن يأخذ هذا الحراك صيغة المذهبية لكان لزاماً على جموع الناس مناشدة المرجع الروحي ممارسة دور المرجع الثوري لبعض الوقت، حيث إن ما سمعه الناس من البطريرك الراعي في عظة مناسبة السنة الجديدة كان ضمناً نقلة نوعية من جانبه في اتجاه حسم الأمور، عِلْماً بأنه منذ طرحه صيغة «الحياد» قبل أشهر أمام حشد في صرحه غير مسبوق وما تلا ذلك في مناسبات، لم يصرف البطريرك الراعي النظر عن مواصلة التنبيه والتذكير، وأحياناً التصويب على مواطن التلكؤ، وكانت له وقفات كلامية مثل قوله «لا إنقاذ ولا إصلاح ولا تغيير من خلال جماعة سياسية عبثت بالبلاد والعباد منذ ثلاثين سنة ونيف» و«يا ليت المسؤولين عندنا يعودون إلى إنسانيتهم». وعندما بلغ غضبه مرحلة متقدمة وإلى مشارق الزمجرة نهَرَ المسؤولين بعبارة «ألا تخافون الله والناس ومحكمة الضمير والتاريخ».
هذه العبارات التي تغلب عليها صفة التذكير بأمل أن تنفع الذكرى كانت فقط من المرجع الروحي الأول لطائفة دون غيرها، إلا أنه في كلامه لمناسبة العام الجديد يبدو صاحب موقف تجمع مفردات صياغته بين ثورية طانيوس شاهين ومبدئية غيفارا. ولكي لا نذهب بعيداً في التشبيهات فإنه كان محذراً بخلفية روحية للتحذير دون إعذار أولئك الذين لا يدرون ماذا يفعلون ولذا فهم غير معذورين... أو بالأحرى غشيت أبصارهم بفعل فاعل خارجي عما فعلوا بلبنان الوطن والشعب ويواصلون فعْل الاستهانة إلى درجة المهانة.
من جملة ما يستوقف اللبناني المكابد الذي يصغي بقلبه قبل أذنه، في الكلام الجديد وليس الأخير للبطريرك الراعي قوله «إن لبنان مريض بفقدان هويته وكأي مريض يشكو من فقدان صحته من الواجب إعادتها إليه، ومن الواجب أن تعود إلى لبنان عافيته التي خسرها...»...
وهكذا مرة أُخرى ولا يبدو أنها الأخيرة، يرى البطريرك أن استعادة العافية تكون «التزام لبنان الحياد بين الشرق والغرب، ففي الحياد خير لبنان وازدهاره وخير جميع اللبنانيين...»...
مع أن البطريرك الراعي لا يواصل النطق حياداً مطلوباً للبنان من أجل الطائفة التي هو راعيها، وإنما من أجل لبنان الصيغة الحاضنة جميع الطوائف، فإن نداءاته ستبقى مجرد صدى في وادٍ، وتبقى نقطة عدم التفعيل لما يدعو إليه على ما هي عليه من المراوحة، وذلك في انتظار تدعيم ما ينادي به، أي الأخذ بالحياد، بمواقف مرجعيات سياسية ودينية عربية ودولية ومن دون تفسير ذلك على أنه تدخل في شؤون داخلية. وفي حال صدور إيحاءات سياسية عربية ودولية ومرجعيات مثل الأزهر والفاتيكان إلى جانب مرجعيات روحية لبنانية متجردة، فإن هامش الترحيب الشعبي اللبناني بما ينادي به البطريرك الراعي لا يعود على الحذر الذي هو عليه، وسيسود الانطباع بأن هنالك إرادات عربية ودولية تحبذ ذلك وتتطلع إلى خطوة لبنانية جامعة بنسبة ملحوظة. ونقول ذلك على أساس أنه إذا كانت صيغة الأخذ بالحياد حلاً تتطلب توافقاً لبنانياً سياسياً وحزبياً حولها، فإن ذلك التوافق لن يحدث حتى إذا فُرض على لبنان وضمن دعوة أممية إجراء استفتاء على الصيغة برقابة دولية.
هنا نتساءل: هل سيبقى البطريرك الراعي وحيداً كمرجعية روحية ينادي بالحياد صيغة حل للبنان المريض؟
في حال لا دعامة عربية سياسية - روحية ولا مساندة دولية فاعلة للفكرة، سيبقى المريض على مرضه. وأما البطريرك الراعي فلا يعود على قرع جرس الحياد في قداديسه الأسبوعية. وبذلك يصيبه ما أصاب حراك الغضب الشعبي الذي عاش بضعة أشهر ثم هدأ الغاضبون وغابوا عن مشهد الاحتجاج لتبدأ حالة من اليأس والتيئيس تعاظم فيها إحساس أكثرية الشعب اللبناني بالمرارة وخيبة الآمال المعقودة على أحلام أقرب إلى الأوهام منها إلى الحقيقة.
ويوماً بعد آخر سيجد اللبنانيون إذا كان الوطن المريض على حد تشخيص البطريرك الراعي لن يتعافى ولن يتوافر عقار الحياد له، أنهم باتوا مثل سائر النازحين ينامون ويصحون على كلام لا هو مختصر ولا هو مفيد، وأن الوطن انتهى أكثر من ضاحية وأكثر من مخيم وأنهم موزعون على هذه الضواحي والمخيمات مثل سائر النازحين واللاجئين الضيوف. ليس من شدة وطأة سوء الحال نقول ذلك، وإنما لأن ما هو حاصل يرسم ملامح ما هو على طريق الحلول.
لا قدر الله ولا حول ولا قوة إلا به سبحانه وتعالى.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان المريض والمرضى والممرضون لبنان المريض والمرضى والممرضون



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية
 العرب اليوم - واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab