بقلم - فـــؤاد مطـــر
ربما من محاسن المناسبات الإنقاذية للأوضاع المرتبكة التي تعيشها دول كبرى وصغرى على حد سواء، أن هنالك في «الأجندة» الدولية وكذلك في «الأجندة» العربية قمتيْن هما من دون سائر القمم المسبوق انعقادها بالغتا الأهمية: القمة العربية الدورية التي من سوء حظ المعولين عليها أن مضيفها الجزائري دفع بها من موعدها المقرر والمتعارف عليه (أواخر شهر مارس (آذار) من العام الحالي (2022) إلى اليوميْن الأوليْن من شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، وها هي الأمور العربية تراوح ما كانت وبقيت عليه مكانها تعقيداً وتأزماً.
وعند التأمل في المشاهد المتتالية نجد أن هنالك ما يشبه «الماراثون» لجهة المراوحة في نقاط الخلافات، فلبنان على حاله فيما يشبه خبط العشواء، والسودان على حيرته التي لا خلاص منها إلا بالحوار الذي لا اجتثاث ولا تهميش لطيفاً فيه، وتونس التي تفاءل شعبها خيراً برئيسها الأكاديمي على أساس أنه ليس من طينة الأحزاب، ويريد تنقية جذرية للوطن من الشوائب ها هو الرئيس قيس بن سعيد يطرح لاءات جديدة تعيد ذاكرة المتابعين إلى لاءات سبق أن أخذت حيزاً لها صمد بعض الشيء في منهاج العمل العربي المشترَك، ونعني بها لاءات القمة العربية الاستثنائية في الخرطوم - سبتمبر (أيلول) 1967 عندما توافَق الملوك والرؤساء على لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل.
اللاءات «القيسية» المقتبسة من اللاءات «الخرطومية» تصلح برنامجاً لرئيس في لبنان سيحل أوان رئاسته بعد بضعة أشهر في ضوء انتخابات برلمانية ربما تأتي نتائجها بالتغيير، وبما يحقق للشعب آماله المرجوة في استعادة وطن يُخشى عليه من نازلة رئاسية غير تلك المأمولة، بمعنى أن يكون رئيس لبنان للسنوات الست الآتية من غير طينة رئيس لبنان السنوات الست التي قاربت على الانتهاء.
كما أن اللاءات «القيسية» تصلح وصفة علاجية لليبيا ذات الحكومتيْن الغارقة في لجة النفط، وتؤكد هذه الحال البالغة السوء التي تعيشها مقولة الغرب غرب والشرق شرق ولن يلتقيا.
وتصلح الوصفة أيضاً للعراق الذي ما زالت الريح الإيرانية تلفح صفحة عروبته بمثل اللفح الذي نال من صفحة عروبة لبنان، ومن صفحة عروبة سوريا التي من شأن القمة العربية المرجأة أن تساعد رئيسَها على أن يقلب الصفحات صفحة تلو أُخرى، ويستعيد سوريا بحيث تعود رقماً عوضاً أن تبقى عبئاً، وتساعد الوصفة كلاً من لبنان وليبيا والسودان والعراق وفلسطين الإيرانية الهوى بهمة بعض حماسييها على الانتقال من الحال البالغ السوء، التي يعيشها كل من هذه الأوطان إلى الحال الأحسن، وإن حدث ذلك بالتدرج.
وأما القمة الأُخرى والأكثر أهمية فإنها قمة العشرين المصادف موعد انعقادها في جزيرة «بالي» (إندونيسيا) في الشهر نفسه للقمة العربية. ولقد كان المألوف عن قمة كبار الشأن المالي والاقتصادي في العالم ومنهم المملكة العربية السعودية التي تُمثل أمتهَا في الجمع الدولي هذا، أن هذه القمة تنعقد بسلاسة وتكون خير فرصة لكبار الشأن أن يلتقوا ويتشاوروا ويوطدوا الأواصر.
كما ترتبط بهذه القمة لحظات تؤسس لعلاقات نوعية، ومنها على سبيل المثال تلك اللحظة التاريخية التي جمعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي بالعاصمة الأرجنتينية بيونس أيريس.
وتكمن أهمية قمة العشرين للكبار أنها تأتي في الزمن الدولي العاصف وفيما أواصر العلاقة بين الولايات المتحدة ومعها معظم دول الحلف الأطلسي من جهة، وروسيا من الجهة المقابلة، في أعلى درجات التوتر وبحيث إن لغة الكلام الجارح والمستفز المتبادَل والمرفَق بالتهديدات، فضلاً على العقوبات المتساقطة كالصواعق من جانب الغرب على روسيا، باتت تجعل المخاوف مما هو أعظم واردة ولا يبدد ذلك سوى خطوة متأنية مغلفة بالتعقل.
كما أن مبادرة البابا فرنسيس قبل ذلك وإبداء الاستعداد لزيارة موسكو من أجل تعطيل أي فعل شرير، واستبدال التلويح بالأعظم من جانب روسيا، أي النووي الذي لا أعظم منه أذى للبشرية، وليس لدولة دون أخرى، من شأنها أن تشكل تبريداً للمرجل الروسي - الأطلسي الذي تغلي فيه التصريحات الاستفزازية المتبادلة وبالذات الروسية - الأميركية.
وما هو برسم الخشية أن تمارس المجموعة الأطلسية من الضغوط على إندونيسيا لكي تؤجل اجتماع قمة العشرين إلى حين أو حتى ترجئ من دون تحديد موعد، وتكون هذه الضغوط حلقة في مسلسل العقوبات المتتالية على روسيا، والتي وصلت إلى حد تعليق عضوية روسيا في هيئة السياحة التابعة للأمم المتحدة، وجاء التعليق بعد أيام من لقاء الأمين العام للمنظمة الأممية غوتيريش بالرئيس بوتين في موسكو.
ما هو مدعاة للتفاؤل بانعقاد قمة العشرين في جزيرة «بالي» أن إندونيسيا ذات سمعة عريقة وحضارية في موضوع استضافة القمم منذ قمة «بريوني» في حقبة حركة عدم الانحياز، وكان يمثل العالم العربي فيها الرئيس جمال عبد الناصر، كما أن ما هو مدعاة للتفاؤل أن توجيه الدعوات بدأ وأن جميع الأطراف أميركا وحليفاتها قبل روسيا ومَن معها بحاجة إلى تفادي ورطة ما هو أعظم، ذلك أن هذه الورطة ستعطل تمديد رئاسات وسقوط أمجاد وخراب بيوت، وتبعثر علاقات بدءاً بالكبار. ومن هنا فإن الرموز الفاعلة وبالذات أميركا والصين وروسيا وبريطانيا وكندا والسعودية وكوريا وماليزيا تتطلع إلى أن يكون التيسير هو السبيل لمعالجة التعسير. وهذا ما ترنو إليه الشعوب من أولياء الأمور. وعلى الله الاتكال.