قراءة هادئة للذي جرى

قراءة هادئة للذي جرى

قراءة هادئة للذي جرى

 العرب اليوم -

قراءة هادئة للذي جرى

فـــؤاد مطـــر
بقلم - فـــؤاد مطـــر

سيُكتب للعماد عون أنه إما أن سعة صدره استثنائية، وإما أنه لم يعتمد من خلال جماعاته أسلوب الانتقام تأديباً، أو ربما أكثر قساوة من ذلك رداً على ما قيل وما زال يقال في حقه من كلام أطلقه وما زال يطلقه محتجون أحياناً، وفي بعض المرات أصحاب أقلام تجاوزوا فيما كتبوه الخطوط الحمراء في موضوع تعامُل هؤلاء مع مقام هو الأرفع شأناً بين أصحاب المقامات.
ولقد حفلت جدران مؤسسات رسمية، من بينها الجدار الأكثر طولاً في مبنى وزارة الإعلام، بعبارات استهدفت رئيس البلاد وحاكم مصرفها وبعض المسؤولين وطالبي ترؤس الحكومة. وفي معظم ما خطه غاضبون من عبارات طغت مفردات الإساءة على ما عداها. وبهذا الأسلوب يكون هؤلاء مجرد شتَّامين وليسوا محتجين بالمعنى المحترم للاحتجاج ودواعيه. ويكفي عدم تثبيتنا لبعض هذه الكلمات الشتَّامية دليلاً على توصيفنا للذين لوَّنوا جدراناً بالشتائم بدلاً عن أن يثبِّتوا عليها المطالب. وفي ذلك يتحمل المسؤولية طيف النُخب في الحراك.
كما سيُكتب لأهل المدن ثباتهم وإصرارهم وتحمُّلهم، آملين في الوقت نفسه انضمام أهل الجبل مع أهل السهل إليهم. وهذا مع الأسف لم يحصل وبقيت الانتفاضة تصنيفاً موضوعياً هي انتفاضة أهل الساحل اللبناني أو أهل العواصم الثلاث للبنان كما المتعارف عليه كتصنيف، بمعنى أن بيروت التي هي العاصمة الرئيسية هنالك إلى جانبها صيدا كعاصمة للجنوب وطرابلس كعاصمة للشمال. ولو أن أهل الجبل وكذلك أهل السهل التحموا بأهل الساحل وبكثافة قريبة الشبه بالتي شهدناها في ميادين بيروت وصيدا وطرابلس ومناطق ساحلية على كتف العاصمة لكان تبدَّل الموقف بسرعة قياسية، وباتت المطالب قيد التنفيذ. وربما خيراً لم يحدث هذا الالتحام؛ لأن الاحتجاج في هذه الحال سيبلغ ذروة الغضب، وربما يحدث التعبير عن الغضب بصيغة انتقامية. وفي هذه الحال بدلاً عن أن تكون الانتفاضة مجرد تعبير عن واقع الحال فإنها تصبح ثأراً لواقع الحال يؤخذ بأكثر من وسيلة من رموز ارتسمت فوق رؤوسهم علامات الفساد الممقوت، والإثراء غير المبرر وغير المشروع، أي أننا في هذه الحال سنعيش حالة قريبة الشبه بالثورة الفرنسية ذات المقاصل والثورة البلشفية ذات المذابح.
هنا يستوجب الأمر توضيحاً أقرب إلى الافتراض حول عدم التحام أهل الجبل بأهل الساحل، وبذلك ينتقل الحراك من انتفاضة غلبت فيها الحماسة والشعارات العفوية على «المانفيستو» الجاهز سلفاً إلى ثورة بكل ما يحتويه فِعْلها من إصلاح للحال، وانتقام من طبقات صغيرة ألحقت الضرر بالطبقة التي تمثل أكثرية الشعب.
بداية التوضيح، أن المدن الساحلية مكتظة بسكان تفوق قدرتها على تحمُّل الإيواء الكريم لهم. كما أن نسبة أكثرية هؤلاء اقتربت من خط العوز نتيجة الظروف المالية والاقتصادية العامة. وثمة ألوف الأسر تعيش متكدسة في شقق صغيرة من بيوت منقوصة الحد الأدنى من التأهيل. كما أن حالة العوز اتسعت لأن خيار طائفة دون غيرها من سائر الطوائف للعمل المقاوم المرتبط استراتيجياً بمشروع إيراني بدأ ينعكس سلباً على العنصر الأهم في البحبوحة النسبية التي يمكن أن يعيشها اللبناني من عوائد السياحة ودوام وصول التحويلات من لبنانيين يعملون في الخارج، لكن هذا في حال كانت علاقات نظامه وحكومته جيدة، وفي الدرجة الأُولى مع دول الخليج العربي التي في تاريخها الثرائي النفطي لم تبخل ومن دون أن تكون مساعداتها مشروطة وأيضاً تكون لها ميليشيا مسلحة تستعملها في تدخلات لدى دول.
ورغم أن النظام الذي يترأسه العماد عون كان في وادي حليفه «حزب الله»، وكانت الحكومة في المقابل وفي شخص رئيسها في وادي النأي بالنفس عن التدخل في شؤون الآخرين، وهذا يرضي دول الخليج في حال كان الفعل ترجمة للقول، لكن هيمنة بجناحيْها الشيعي بكثرة والماروني بنسبة من النظام على الحكومة، وفي صيغة خروج متعمَد على ما هو متعارف عليه في موضوع بقاء كفتي الميزان على تعادلهما، وكذلك في صيغة عبارات تجريح في حق مقامات عربية لم يتم الوقوف في وجه قائليها.
ويوماً تلو آخر فاض الكيل من صولات التجريح ومن إفقاد رئيس الحكومة بعض مسؤولياته بغرض إفقاد مهابته، فكانت الانتفاضة بدءاً باستقالة واستمراراً لها. إلا أنها بعدم التحام أهل الجبل وأهل السهل فيها لن تجني ما تعكسه المطالب الأحلامية.
وعدم التحام أهل الجبل والسهل له أسبابه. لقد كانت أكثرية المشاركين في الانتفاضة هم الشكاة من الإذلال والبطالة ووطأة العيش وانعدام الحصول على الماء النظيف والكهرباء التي لا تنقطع والإنصاف الذي يتوقون إليه، والطبابة التي لا تتوفر أحياناً، ناهيكم بارتفاع الأسعار ومعها البطالة وتذبذب أسعار المحروقات. بل إن كثيرين نزلوا إلى الساحات لضيق ذات اليد.
مثل هذه الأحوال الصعبة لا يعاني إلى حد ما أهل الجبل منها؛ ذلك أن هؤلاء يعيشون بطمأنينة نسبية. كل عائلة تهيئ في أشهر الصيف مونة البيت من حبوب وخضراوات مجففة ومربيات، وخلاف ذلك من احتياجات مثل أنواع الشراب. كما أن كل بيت لديه دائماً وسلفاً ما يكفيه من البرغل والعدس والحمص والكشك، وكل بيت لديه حديقة صغيرة أو بستان، وفي هذه الحال يقطف العشبيات من بقدونس ونعناع وكزبرة وزعتر وفجل وبصل من شتلات حديقته، ويجني الثمار من أشجار بستانه، ويتناول أفراد العائلة الحليب من البقرة المقتناة عموماً في كل بيت، والبيض من الدجاجات التي تفقيسها مزدهر دائماً، كما يجفف من الخضراوات على أنواعها ما يغنيه عن الحاجة إلى الشراء كما هي حال أكثرية سكان مدن الساحل... أي باختصار، إن نسبة الوجع المعيشي عنده ليست قاسية كما هي لدى أكثر سكان مدن الساحل، وبذلك يرى أن لا موجب للنزول إلى الميادين للاعتراض، أو فلنقل يتكاسل ولديه قدرة على تخزين الغضب وتأجيل التعبير عنه. وهذا لا يعني أن الجبلي والسهلي تقاعسا، لكنهما على الأرجح يتأملان ويراقبان. وإذا شعرا بأن إنسانيتهما ونخوتهما أقوى من ولائهما الحزبي أو الحركي أو التياري، فإنهما لا بد سيلتحمان بفاعلية وليس فقط بمشاركات رمزية بعلبكية وجنوبية وبقاعية. وفي هذه الحال لا يعود رئيس البلاد يمارس كل هذا الذي تعاطاه مع الأزمة وجولات الانتفاضة على النحو الذي مارسه وكان الدافع إلى أن جدران مراكز رسمية امتلأت بإساءات ضد رئيس العهد، وكتابات تنادي بتنحيه.
وفي أي حال، ما زال هنالك نصف ولاية رئاسية يستطيع من يملك أحقية دستورية تمضية أيامه فيها أن يعوِّض الشعب اللبناني الذي ينام على ضيم ويصحو على خوف.

 

arabstoday

GMT 00:23 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل و«حزب الله».. سيناريو ما بعد التوغل

GMT 00:28 2024 الخميس ,13 حزيران / يونيو

مكاشفات غزة بين معسكرين

GMT 00:37 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

التطبيع بعد القمة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قراءة هادئة للذي جرى قراءة هادئة للذي جرى



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 17:12 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
 العرب اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
 العرب اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف

GMT 08:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

تنسيق الأوشحة الملونة بطرق عصرية جذابة

GMT 09:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات أوشحة متنوعة موضة خريف وشتاء 2024-2025

GMT 06:33 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صهينة كرة القدم!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab