بوليصة نصر الله ووصفة سريلانكا

بوليصة نصر الله... ووصفة سريلانكا

بوليصة نصر الله... ووصفة سريلانكا

 العرب اليوم -

بوليصة نصر الله ووصفة سريلانكا

بقلم : فـــؤاد مطـــر

تُحسب للبنانيين ظاهرة ترجمة الاحتقان من شدة سوء الحال والغضب على أهل الحكم إلى فعل تغيير. ومنذ أن أثمر حشدهم غير المسبوق في قلب عاصمتهم (ساحة شهداء لبنان حقبة الحكم العثماني) تعبيراً عن غضبهم على عملية اغتيال، غير مسبوقة درجة الحقد فيها، لزعيم أمكنه جمع الأشمال الطوائفية على طريق إعادة بناء لبنان متجدد، عائداً بالغ الأهمية، فإن أنظار الشعوب الغاضبة وبالذات الطبقات المحرومة المحكومة من طبقات حارمة كانت شاخصة على الحراك اللبناني، ويحاول الغاضبون تقليد اللبنانيين فيما فعلوه.

لقد أثمر الحراك اللبناني خروجاً للوجود العسكري السوري في لبنان، وباتت مفردات السيادة تحل محل مفردات الوصاية والقرار المصادر. لكن توظيف ذلك الحراك كان نقيض ما هو المأمول منه. فقد اضطربت أحوال لبنان من جديد. تم إخراج الوجود الأمني السوري من الباب ليدخل الوجود الإيراني - السوري من النوافذ. ونتيجة للتناقضات التي أحدثها هذا الدخول وما استتبعه من تحالفات تبعث الاستغراب في النفوس، كون أبرزها المتمثل بتحالف «حزب الله» مع التيار الحزبي الذي يتزعمه الجنرال ميشال عون ليس مسبوقاً؛ خصوصاً أن هذا التحالف أثمر انقساماً في عمق الطائفة المارونية التي حصتها بموجب الدستور رئاسة الجمهورية. وبعدما كانت مرجعية هذه الطائفة -أي بطريركها- هو الشريك الثالث في اختيار مَن يكون رئيس جمهورية لبنان، إلى جانب الشريك الثاني (الإدارة الأميركية)، والشريك الثالث (الطائفة السُّنية) فإن تحالف «حزب الله» - التيار العوني أحدث ما يشبه التقويض لهذه المعادلة، فبات رئيس الجمهورية، بعد التهميش السُني، من حصة النظام الإيراني، متمثلاً بـ«حزب الله» والنظام البشاري، متمثلاً بولاءات شيعية ومارونية لرموزها حضور في الطائفتين. وتشكل تجربة ترئيس الجنرال عون أول اختبار للمعادلة المشار إليها.
تحت وطأة الأوضاع المعيشية الصعبة والانحدار المتدرج في الأحوال اللبنانية، وما كثر من كلام في شأن الفساد واستشراء المحسوبيات، ثم ما بدأ يقال عن زلزال مالي على أهبة الحدوث، استعاد اللبنانيون حراكهم الغاضب الأول، وتلازمت مع الجولة الجديدة من الحراك مفردة جديدة في قاموس الغضب، هي عبارة «كلن يعني كلن» أي بالتعبير الفصحوي: جميع الذين في الحكم، والزعماء السياسيين والحزبيين بلا استثناء، من الذين على رأس السُلطة في الدولة إلى سائر الحلقات نزولاً.
كان مدعاة للاستغراب أن الحراك الثاني لم يؤتِ نتائج مرجوة. ما هو سيئ ازداد سوءاً. وما بقي من الخيرات جرى نهبه. ونسي الناس أمام مذلة العيش من دون الكهرباء ومستلزمات أبسط مطالب ديمومة الحياة من الوقود إلى الدواء إلى الرغيف، الخشية من مخاطر الإصابة بـ«كورونا». وعندما زلزلت المصارف زلزالها، وبات المتوفر من المال المودع في هذه المصارف للإنفاق في الحالات الطارئة وفي مرحلة الشيخوخة، في مهب الريح إلى أن تحدث أعجوبة ما، فإن الحراك المأمول حدوثه لم يشق طريقه إلى نقطة الحسم الذي لا بد منه مع الحكم بكل رموزه، أو ببعض من اكتملت النظرة بأنهم هم العلة، وأن الحسم معهم لا بد منه.
ربما التنوع المذهبي وطغيان الوجود المؤثر من جانب دول خطوطها سالكة في المجتمع اللبناني، هما السبب في أن الحراك الشعبي استمر متقطعاً، وبالتالي لم يثمر على نحو ما حصل للحراك الشعبي في مصر الذي أسقط بصرخة: «الشعب يريد إسقاط النظام» المدوية، نظام ربع قرن من الحكم. وربما أيضاً أن الحراك الشعبي لم يثمر في لبنان؛ لأن الجيش بقي يراقب لا يتدخل، وعلى نحو ما حصل في مصر عندما حسم المشير طنطاوي الأمر، ممهداً السبيل أمام اللواء المقدام عبد الفتاح السيسي، رمز الحسم الأهم الذي أثمرت خطوته العسكرية رئاسة مصر الحالية.
كما ربما أن فوضى التناقضات الحزبية في السودان الذي اقتبست جماهير الغضب فيه حراكها مما جرى في لبنان، هي أيضاً السبب في أن الحراكيْن، اللبناني المتجدد والسوداني المقتبس والمتردد، ما إن يحدثا حتى تذبل الاندفاعة لدى كل منهما.
وما يجعلنا نستحضر ظاهرة الحراك اللبناني، ومروراً على حراك مصري تلاه حراك سوداني حدثا باقتباس، وإن بدرجة متفاوتة، من الذي قام به اللبنانيون ولم يكملوه، هو أن الأحوال في كل من لبنان والسودان سائرة نحو ما ربما يتجاوز التظاهر إلى الاقتتال. ولقد لمّح إلى ذلك الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، في إطلالة تلفزيونية مساء يوم الأربعاء (19 يوليو «تموز» 2022). وليس مستبعَداً أن تكون الوصفة السريلانكية هي الدافع، أو نسبة من الدافع إلى ما قاله. فالذي فعله الغاضبون في سريلانكا يمكن أن يفعله اللبنانيون؛ خصوصاً أنهم سبق أن أوحوا من خلال اقتحام جلسات طعام وشراب لمسؤولين في مطاعم، بالرغبة في اقتراف فعل مشابه للفعل السريلانكي. وهم إذا كانوا يترددون في الإقدام على ذلك، فربما تحسباً من عوائد بوليصة التأمين على السلامة الممنوحة من «حزب الله» للعمود الثالث في تركيبة النظام اللبناني من 6 سنوات. وبفضل هذه البوليصة أمضى الحكم سنواته الست لا يخشى تعكير صفوه، ولا تقليص فترة بقائه حتى اليوم الأخير. لكن أحياناً تجري الأمور بما لا يشتهي ساكن القصر وصاحب بوليصة التأمين على كل ما تستوجبه مقتضيات بقاء الحكم وعدم الإخلال بما هو متفق عليه. وإذا تبدل مجرى الرياح في حال تجديد بوليصة التأمين على ولاية ثانية، ولو سنتين إضافيتين، أو توريث على قاعدة «لا بد من الذي لا بد منه»، فقد يتم الاقتباس المعاكس. اللبنانيون هنا في هذه الحال ربما يقتبسون الوصفة السريلانكية. وفي هذه الحال يختلط الحابل الرئاسي بالنابل الغازي والنفطي الموعود. ويصبح قول الأمين العام لـ«حزب الله» عن احتمالات الآتي الأعظم نوعاً من التنبيه، وفق مقولة: اللهم إني قد بلغت.
... وربُّك الغفور ذو الرحمة.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بوليصة نصر الله ووصفة سريلانكا بوليصة نصر الله ووصفة سريلانكا



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 19:28 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 09:52 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تشوّق جمهورها لمسرحيتها الأولى في "موسم الرياض"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab