الدولار ذلك السيد الآخر في لبنان

الدولار... ذلك السيد الآخر في لبنان

الدولار... ذلك السيد الآخر في لبنان

 العرب اليوم -

الدولار ذلك السيد الآخر في لبنان

بقلم - فـــؤاد مطـــر

لا حديث إلا عن الدولار بين اللبنانيين من كبراء القوم إلى صغار الشأن، وبينهم ما تبقَّى من الطبقة الوسطى في الدولة، التي كانت من خلال عناصر خلاقة في ميادين العِلْم والتجارة والطبابة والبناء، ومن ذوي الشمائل المحترمة سياسياً تشكِّل توازناً بين غيلان الثروة وغليان اليسار بمختلف تنظيماته وأحزابه.
كانت الليرة اللبنانية بالقليل منها تطمئن المواطن وموضع الرضا. وحتى بعدما صارت الورقة هذه تحمل ثلاثة أصفار، وباتت بالتالي الورقة ذات الألف ومعها ورقة بخمسمائة، فإنها تقف بمهابة أمام الدولار وكما لو أنها تقول إن دولارك لا يتجاوز ورقة الألف وخمسمائة ليرة، فلا تتشاوف كثيراً علينا.
دارت الدوائر الصعبة على لبنان... مناكفات ثم صراعات، ثم استضافات ثورية بدءاً بالمقاومة العرفاتية والمسلحين الفلسطينيين جاءوا بموجب صفقة الواجب الوطني القومي وتعويضاً من جانب لبنان عن دور لم يؤده كما يجب مع الجمع الذي حارب من أجل فلسطين. ولقد تقبَّل اللبنانيون الاستضافة بداية بالترحيب إكراماً للخاطر الناصري، وخصوصاً أن رئيسهم الماروني بامتياز وقائد جيشهم الذي يندرج في التميز الماروني نفسه كانا على درجة من المسايرة لزعيم تلك المرحلة من العالم العربي جمال عبد الناصر، فقابلوا تمنياته باستضافة المقاومة الفلسطينية بنسبة من الترحاب قضَّت مضاجع بعض ذوي الشأن السياسي الماروني الذين ما لبثوا أن سلَّموا بالأمر الواقع الذي بعد بضع سنوات صار فيها الضيف يمارس دور الشريك المضارب في القرار السياسي اللبناني، وأدى دوره هذا إلى بداية داحس وغبراء - طبعة لبنانية قابلة للتجدد في أي جولة سوء تصرُّف.
ما جعل الاستضافة موضع قبول مقرون بالمضض المستتر، أن الوجود الفلسطيني المقاوم بدأ ينفق في لبنان دولارات أميركية تأتيه من مساعدات خليجية.
وهذه الألوفات من الدولارات تحولت إلى ورقة في اليد العرفاتية التي كانت سخية مع زعامات حزبية من كل الأنواع. بل إن مرجعيات حزبية نالت حصتها من هذا السخاء فسايرت، إلى درجة أنه عندما كان سيد المقاومة، أبو عمار، يعلن عن سقوط أحد المقاومين شهيداً، فإن أجراس بعض الكنائس كانت تُقرع كبادرة مشاركة في الحزن.
جاءت الحرب المزدوجة في لبنان في السبعينات، حرب لبنانيين ضد لبنانيين، وحرب لبنانيين ضد الضيوف المقاومين الذين نضبت بنسبة غير متوقعة النجدات الدولارية لهم، تفتحُ بازار الدخول الليبي والعراقي كفرسان في الميدان اللبناني. وحيث إن الله أعطى الجانبيْن الثورييْن البترولييْن وزاد العطاء، فإن الدولار بدأ يشق الطريق إلى جيوب القيادات الحزبية والسياسية، غير سائلين هؤلاء ضمائرهم لمَ هذا الفعل المبغوض الذي يوفر في نهاية الأمر توتير علاقات بين أبناء الوطن الواحد وقد يتسبب كذلك، مع ارتفاع منسوب التوتر، في احتراب وتدمير وقتلى؟
غلبت بهرجة الدولارات التي كانت تأخذ طريقها إلى المصارف بفِعل فتوى «سرية المصارف» فانتفخت هذه إلى درجة التورم والإكثار من التوسع وإنشاء فروع في بعض عواصم الله الواسعة. ها هي الآن تدفع ثمن الاكتناز والجشع من سمعتها، ويشمل الثمن المودعين، وخصوصاً النظيفي السلوك والذمة منهم.
راقت حالة الازدهار هذه للشقيق السوري، فقرر أن يأخذ النصيب الأوفر من هذا الازدهار الدولاري، فوظف نفوساً سياسية وحزبية لبنانية أمَّارة بالتطلع إلى حظوة زعامة (وزارة، نائب، محافظ، قائمقام)... أي مكسب من هذه المكاسب جيد، وكان الدور السوري إنقاذاً شكلاً من أجْل وقْف اقتتالات يضرمها، من جانبه وبتنوع أساليبه ودهاء أجهزة مخابراته، ناراً وتحفيزاً.
وانتهت المكاسب وفيرة جداً، إلى درجة أن البعض من ذوي الشأن السياسي السوري لهم في لبنان كثير من الأملاك إنما بأسماء مقامات لبنانية ذات شأن، وعلى أساس أنها برسم الأمانة تُسترد في حالات طارئة كأن تتغير طبيعة الحُكْم. كنه هذا في علم الغيب كما في ذاكرة المقامات ذات الشأن.
جاءت لاحقاً التطورات الدرامية السورية التي أودت ببضعة ملايين سوري إلى التهجير لتشمل لبنان بمليون ونصف المليون سوري باتوا في حُكْم التوالد النشيط مليونين. ربما الرقم ليس دقيقاً بما فيه الكفاية. بقدْر ما إن هؤلاء تسببوا في أزمة خلل معيشي لقطاعات عريضة من اللبنانيين، فإنهم أفادوا من جهة أُخرى من خلال المعونة الأممية بالدولار. في البداية أنفقوا العائد الدولاري الآتي من «نعمة التهجير» في لبنان فكان السكوت عن وجودهم. وبعدما بدأت دولارات هؤلاء أو النسبة الآملة في العودة إلى الديار تذهب إلى سوريا من أجْل ترميم بيوت تهدمت أو عوائل بقيت متحملة الضيم، فإن صرخة المطالبة بترحيل السوريين إلى من حيث أتوا بدأت تُسمع من خلال تصريحات ومقابلات في وسائل الإعلام المرئي والمكتوب تركز على الخشية من تجنيس يتم خفية، أو استقرار بفعل تمديد الإقامة يتحول مع الوقت إلى خلل سكاني مذهبي، أوجبت التضحية بالألوف الدولارية فلا يحدث خلل بالتركيبة السكانية.
هذه التضحية عوَّضها الدولار الأميركي الآتي من ديار إيرانية، خفف من عبء التزامات «حزب الله» إزاء جيشه المقاوم وإدارته ومسؤوليه. ومن هنا فإن الضاحية الجنوبية التي هي «جمهورية الحزب» منتعشة دولارياً وبقيت على هذه الحال إلى أن بدأ الحديث الأميركي حول ظاهرة التبييض يأخذ مداه الرحب، ما يعني أن محاصرة الظاهرة لا بد ستُحدث خللاً، وفي هذه الحال لا يعود في استطاعة الحزب نجدة الحليف السوري في المحنة المعيشية التي بدأ يواجهها النظام، وتأمين رفده بحقائب منتفخة بالدولارات. هذا مع تواصُل الشحن العدائي من «سيد حزب الله» للولايات المتحدة وأصدقائها وحلفائها من الدول العربية.
من المألوف أن التحادث بين اللبنانيين حول الأمور المعيشية لم يعد كما المألوف. هنالك دائماً حضور للدولار في الحديث بعدما باتت السلع تُحسب بالدولار وبعدما باتت الليرة اللبنانية كما حال شقيقتها السورية وشقيقها الجنيه المصري وصولاً إلى الشقيق الجنيه السوداني، والبقية آتية من العملات التي ذبل شأنها. حتى فنجان القهوة في المقهى الشعبي بات يُحسب بالدولار، وكذلك الخبز المهدد بالتقتير والسندويش ومنقوشة الزعتر. كل هذه الأسعار تُحسب بالدولار. الدواء كذلك هذا في حال وُجد.
الازدهار اللافت هو ازدهار الصرَّافين. وفي الضاحية الجنوبية حيث «جمهورية حزب الله» أعدادهم تتزايد. كما تزايدت أعدادهم في مناطق الجنوب، وذلك لأن القوات الأممية تنفق ما يمكن إنفاقه بالدولار. وبهذا الإنفاق لا تنتكس ظاهرة الانتعاش في القرى والبلدات الجنوبية الحدودية. وهذا الانتعاش سيتأثر إذا، لا سمح الله، أنشأ «حزب الله» ظروفاً تجعل القوات الأممية تغادر لبنان. لكن مصلحة «دولة الحزب» قبل حتى مصلحة الدولة الرسمية تقتضي بقاء هذه القوات عنصر حماية للثروة الغازية والنفطية المأمولة من بحر الجنوب، التي لا بد سيكون عائدها بالدولار، وإن كان «سيد الحزب» بدأ التلميح إلى التعاون مع شركات متنوعة.
كل هذه الظواهر في المشهد اللبناني تحدُث بينما لا قدرة لكل الأطراف الزعامية على اختيار رئيس للجمهورية. وتلك ظاهرة غير محترمة في نظر العالم شأنها شأن ظاهرة أن رئيس الجمهورية الذي انقضى ترئيسه كان يُشتم من بني قومه ومع ذلك لا يعيد النظر، كما شأن أن رئيس الدولة وأطراف زعامات سياسية وحزبية كانت تشتم من بيده قرار جعل الدولار يحترم الليرة اللبنانية، واستمر المشهد إلى أن بات مقام مدير البنك المركزي عرضة للشتم من جانب مَن يريد. منتهى قلة الاحترام كما أنه ابتذال ما بعده ابتذال، كتابة عبارات شتائمية مهينة وبالمفردات غير المستحب ذكرها تملأ جدران شوارع بيروت، بما في ذلك شارع مطارها وجدران مبنى البنك المركزي، المؤسسة التي يعتبر استقرار الدولة والشعب من استقرارها.
في ظل هذه الحالة المبكية وبينما الوضع من السيئ إلى الأسوأ، فالأكثر سوءاً، ولا أمل يرتجى إلا إذا استعادت العملة اللبنانية قيمتها واستعاد أهل الحل والربط شيئاً من القيم، سيبقى الدولار حديث الناس ومصدر همومهم. ولا يستبعد المرء أن يكون تعليق الناس هؤلاء في مجالسهم على الحملة المتواصلة من جانب «سيد حزب الله» على أميركا صاحبة الدولار سيد العملات المتحكمة في طبعه كما في طباع المتعاملين به هو: إذا كانت تلك هي الحقيقة، فلماذا لا يؤتى برئيس للجمهورية يكون لصاحبة الدولار دور أو كلمة في اختياره؟ وبذلك لا يعود مستمراً هذا التضييع لإنجاز استحقاق واجب.

هَدى الله خلْقه وبالذات اللبناني من هذا الخلْق.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدولار ذلك السيد الآخر في لبنان الدولار ذلك السيد الآخر في لبنان



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر

GMT 03:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تطالب بتبني قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة

GMT 06:00 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتلة صورة النصر

GMT 18:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 18:00 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يكشف سر تكريم أحمد عز في مهرجان القاهرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab