بلاد الشام في الهواء الطلق

بلاد الشام... في الهواء الطلق

بلاد الشام... في الهواء الطلق

 العرب اليوم -

بلاد الشام في الهواء الطلق

بقلم : فـــؤاد مطـــر

كان الشيوعيون العرب من شعراء وكُتاب وسياسيين مغضوبٍ على معارضتهم وأصحاب خبرات في زمن الإمبراطورية السوفياتية المحكومة بمثلث متماسك (الترويكا) يلجأون إلى موسكو أو إلى العواصم الأوروبية الشرقية الدائرة في الفلك الشيوعي السوفياتي، وهذا عندما يغضب أهل الأمن في هذه الدولة العربية أو تلك؛ تكريماً وممالأةً منهم للسيد الرئيس، فتتم ملاحقة هذا الروائي السوري أو ذاك الشاعر العراقي أو ذاك النقابي السوداني أو ذاك المفكر المصري... ويبقى هؤلاء في مضافة ديار الاغتراب القسريّ إلى أن ينالوا الرضا من نظام جديد في بلادهم حققه تبدُّل في الرؤى، أو لأن الانقلابيين، وجُلُّهم من جنرالات وضباط في المؤسسة العسكرية لهذه الدولة أو تلك، ارتأوا الأخذ ببادرةِ انفتاحٍ على الآخرين لم تصل إلى مداها الباعث على الطمأنينة. وكان الشيوعيون العرب، من مهدي الجواهري إلى بدر شاكر السياب إلى خالد بكداش إلى عبد الخالق محجوب، على سبيل المثال لا الحصر، ينعمون بدفء العقيدة الماركسية في بلاد الثلج والحريات المصادَرة.

هذا عشناه على مدى نصف قرن، وبعضه أكثر بسنوات، لكن ما لم نعايشه هو أن يحطَّ رئيس عربي ومن دون إشارات توحي بذلك، الرِّحالَ في موسكو مصحوباً بأفراد عائلته الخاصة ويبقى الأمر سرِّياً ثلاثةَ أيام إلى أن أوضحت موسكو (الأحد 8 - 12 - 2024)، وكان قصر الرئاسة السورية وعاصمة بلاد الشام قد باتا في قبضة حركة إطباق على نظام ورثه ابنٌ عن أب. ومن دواعي الاستغراب أنه لم يتوجه إلى دولة عربية بعدما وصل تطبيع معظم الأشقاء العلاقات مع نظامه إلى الاستكمال، وارتأى التوجه إلى موسكو، وبذلك لا يُحرج أياً من الدول العربية وبعض القادة العرب، فضلاً عن أن المغادرة عموماً كانت قراراً حكيماً. ثم ذكرت وكالة «تاس» يوم الأحد 8 - 12 - 2024 نقلاً عن مصدر روسي، أن «الرئيس بشَّار الأسد وأفراد عائلته وصلوا إلى موسكو وقُدِّم اللجوء إليهم لأسباب إنسانية».

وفرادة اللجوء تتصل -كما يجوز القول، في ضوء متابعة كاتب مثل حالنا على مدى نصف قرن للتطورات السورية قبل الترئيس الاضطراري الفريد من نوعه للدكتور بشَّار الأسد، وبعدما أمسك هذا الطبيب العائد من سنواتِ تخصُّصٍ في طبِّ العيونِ لم تكتمل في لندن- بأكثر ثقل إرث في عالم الترئيس في جمهوريات الأمة؛ من موريتانيا وتونس والجزائر وليبيا إلى السودان ومصر والعراق وسوريا ولبنان واليمن.

بقيت طقوس ترئيس بشار تتفاعل في نفسه منذ البداية حتى المغادرة، ربما تحت جنح الظلام وبترتيبات روسية أمنية بالغة الدقة من لحظة دخوله وأفراد عائلته الطائرة التي أقلَّته إلى موسكو. وهذه الطقوس تضاف إلى الشعور بأنه لم يحقق خطوات تندرج ضمن الإنجازات التاريخية لمن يترأس. وبقي السوريون لا يرون فيه سوى حالة امتداد لنظام لا أكثر، وأن الحاضر في بَالِهِم هو حافظ الأسد وليس بشَّار حافظ الأسد. ونحن لو ناقشنا الحالة التي عاشها بشَّار، ترئيساً وعدم قدرة على بناء شخصية متميزة له لا ترتبط فقط بتوريث اضطراري جرى على وجه السرعة، لَوَقَفْنَا على كُنْهِ مشاعر بشَّار بحيث إن الرئيس الابن يخرج من حالة ما قاله سيدنا علي بن أبي طالب في كلمات «إن الفتى مَن يقول ها أنا ذا... ليس الفتى من يقول كان أبي» وبدلاً من ذلك يستبدل موضعَي كلمتيْن في بيت الشعر نفسه، أي يصبح «ليس الفتى من يقول ها أنا ذا.. إن الفتى مَن يقول كان أبي».

وهذا الشعور بالرمزية الشعرية التي نستحضرها، إضافةً إلى حالة شخصية عائلية بالغة الدقة من الناحية الصحية، ربما شكَّلا في ساعة الشدة الاعتراضية الشعبية وتفادياً منه لعدم زج المؤسسة العسكرية في صراع مع الانتفاضة قد يتحول حرباً أهلية مذهبية في جانب منها، حمله على القول بينه وبين نفسه: إنني لم أنجز في سنوات الترؤس ما يوجب العناد ولتقرر بلاد الشام التي باتت في الهواء الطلق وفي عهدة جيل من المتطلعين إلى القيادة على جناح عثرات نصف قرن من الحكم الأسدي، ما يوجِب التصحيح والترميم، إلى أن جاءت السلطة الأبوية تخطفني ثم تلتفّ حولها السلطات الأمنية على أنواعها، ويحدث الذي لا أقول الحقيقة إنني كنت لا أراه، أو بالأحرى الهرب من سوريا، وكان يمكن أن يحدث. ثم إن إمكانية حصول التنحي، إنما ليس مغادرة تحت جنح الظلام أو مع إطلالة الفجر، كانت حاضرة في المشهد العائلي؛ ففي كلام منسوب إلى أسماء الأسد، زوجة الدكتور بشَّار (الأربعاء 19 سبتمبر - أيلول 2016) أنها تلقت عروضاً من مقامات غير سورية لمغادرة سوريا، وعلى نحو مغادرة بشرى، شقيقة الرئيس، التي اختارت الإقامة في عاصمة عربية في ذروة صراع طاقم ورثة نظام حافظ الأسد.

مستقبل بلاد الشام في عالم الافتراض. الآن هنالك هجرة معاكسة إلى البلدات والمدن. وهناك تنشُّق لنسائم حرية أشبه بنسائم الياسمين الدمشقي الذي لطالما كان الشاعر نزار قباني يتطلع وهو بين بيروت ولندن إلى استنشاقه ولم تُكتب له الفرصة.

arabstoday

GMT 09:29 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مسافرون

GMT 09:28 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

سؤال المرحلة... أي مستقبل للمشروع الإيراني؟

GMT 09:27 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

حكومة “لا فَتَّتْ ولا غَمَّست” فلِمَ التعديل!

GMT 09:25 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

أنا المدير.. أنا لست جيدًا بما يكفى

GMT 09:23 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

كيف نحمى المقدرات المصرية؟

GMT 09:22 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إسرائيل وثمن إسقاط الأسد

GMT 09:19 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

لحظات حرجة فى حياتى

GMT 09:17 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الغرب يخطئ مرتين في سوريا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بلاد الشام في الهواء الطلق بلاد الشام في الهواء الطلق



بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:54 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر
 العرب اليوم - إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 09:47 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024
 العرب اليوم - الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 10:28 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها
 العرب اليوم - نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها

GMT 15:16 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

صفارات الإنذار تدوي في تل أبيب أثناء محاكمة نتنياهو

GMT 12:39 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

هل يتحمل كهربا وحده ضياع حلم الأهلى؟!

GMT 07:38 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 08:34 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

جديد في كل مكان ولا جديد بشأن غزة

GMT 04:35 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إنزال إسرائيلي قرب دمشق استمر 20 دقيقة

GMT 16:56 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

السيتي يعلن وفاة مشجع في ديربي مانشستر

GMT 20:06 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

انتشال 34 جثة من مقبرة جماعية في ريف درعا في سوريا

GMT 10:58 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

ضربة جوية أمريكية تستهدف منشأة تابعة للحوثيين باليمن

GMT 08:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab