مسلسل رمضاني حربي غير مستحب

مسلسل رمضاني حربي غير مستحب

مسلسل رمضاني حربي غير مستحب

 العرب اليوم -

مسلسل رمضاني حربي غير مستحب

بقلم: فـــؤاد مطـــر

فاجأ عسكر السودان بجناحيْه: التقليدي، الجيش الرسمي العريق للدولة، والمساند في ساعات الشدة «قوات الدعم السريع»، شعب الدولة شبه القارة، وشعوب دول الجوار الأفريقي والخليجي وحكوماتها، وكذلك حكومات الدول الكبرى الخمس دون استثناء، بصراع حربي أكثر ضراوة من تلك الجولات التي شهدتها في الأشهر الماضية إثيوبيا التي خاض جيشها غمار معارك مع الخارجين في إقليم تيغراي، كما بعض التشابه «حرب الجيشين» في ليبيا.
وفق منطق الأمور، فإن ما ستنتهي إليه حرب الأشقاء العساكر في السودان هو ما انتهت إليه الحرب في إثيوبيا... إلاّ إذا حدث ما يعكسه التعبير السائد: لكل قاعدة استثناء.
حدثت «حرب عسكر السودان» بين بعضه الأهم على بعضه المهم في الأيام العشرة الأواخر من الشهر الفضيل (رمضان) وفيما عيون المليار مسلم في شتى ديار الأمتيْن شاخصة نحو الكعبة المشرَّفة وساعات الطواف المليوني المبهر ونحو المدينة المنورة التي بات رونق التبرك بزيارة المسجد النبوي الشريف فيها بمثل رونق تأدية العمرة كما فريضة الحج في أجواء من التطوير والتيسير الذي يسجله المرء باعتزاز للدولة السعودية التي تضيف سنة بعد سنة من التطوير ما يجعل المسلم يؤدي الفريضة هانئاً وشاكراً وحامداً.
وحدثت الحرب في الشهر الذي يصوم فيه المسلم عن حتى الكلام المسيء، وينتظر لحظة غروب الشمس لكي يهنأ بيوم الصوم ويخلُد بعد الصلاة والإفطار إلى الترويح عن النفس بمتابعة مسلسلات رمضانية يسّرتها له الفضائيات على أنواعها، ثم يحمد ويشكر نعمة الله استعداداً لصوم يوم جديد. وإذا ببني جيشه النظامي من جهة والسريع التدخل من الجهة الأُخرى، يقتحمان أجواء المسلسلات «مسلسل حربي» هم الممثلون والمخرجون فيه، وأما الشعب الصابر منذ سنتيْن على ضيم التسويف والتأجيل والمماحكات والوعود التي لا تلقى تنفيذاً فإنه وجد نفسه محاصراً ويتابع بدل حلقات مسلسله الترويحي للنفس، جولات من القصف المتبادل بين «جيشيْ» الوطن الواحد، ولقطات تبثها الفضائيات، ويتملكه الهلع في أعلى درجاته وهو يرى بعض السلاح الجوي للوطن يدخل في المواجهة، ثم يستبدّ عمق الحزن في النفس وهو يرى كيف بات المطار من دون طائرات مدنية ومدرجاته تعرضت للقصف.
يا لهذا المسلسل الذي بطله جنرالان كان الأمل معلقاً عليهما بأنهما، وقد طال زمن الأخذ والرد وكثرت جولات التحادث مع «الطيف الثوري المدني» بكل أحزابه ونقاباته وشيوخ قبائل مناطق الدولة المترامية الأطراف، سيتخليان عن تطلعات كل منهما إلى الاستئثار بقمة السُّلطة، وسيعتمد الجنرال عبد الفتاح البرهان بالذات ما سبق، وإنْ بعد تفكُّر بمصائر البلاد والعباد، أنْ أخذ به الجنرال الطيب الذكر عبد الرحمن سوار الذهب الذي كان عند حُسْن تقدير الجميع له بعدما سجل كعسكري أمثولة غير مسبوقة، وهي تفضيل رضا الشعب بعد الله على نشوة الإمساك بالسلطة التي تنتهي بالجنرال الذي ينالها؛ سعياً أو نتيجة مماحكات السياسيين والحزبيين، إما مُهاناً وإما سجيناً وإما قيد المحاكمة. ولنا في المثال على ذلك نهاية تجارب الجنرالات السابقين (المرحومان إبراهيم عبود، وجعفر نميري، وعمر حسن البشير النزيل في السجن). كما لنا في النهاية المأساوية لعسكريين سعوا جاهدين لتبوؤ مواقع في قمة السُّلطة خاطروا لتحقيق مبتغاهم ومبتغى حزبهم الشيوعي وزعيمه عبد الخالق محجوب، وانتهى بهم الأمر جميعهم إعداماً (بابكر النور. هاشم العطا. فاروق حمدالله).
من المبكر الوقوف على خفايا أوجبت حدوث هذه الحرب. لكن بعض التأمل في مواقف عربية ودولية إضافةً إلى تصريحات من الجانبيْن، يعطي بداية تفسير لهذه الجولات الحربية، التي ليست جديدة على إخفاق التفاهم المدني - العسكري على مسائل تتعلق بالسلطة والإدارة السياسية للدولة وخصوصاً منها ظاهرة المحاصصة التي تنتهي إلى الصراعات والاحتراب. وهذا حدث على مدى بضع سنوات في لبنان خلال السبعينات، وكانت هنالك جولات من القتال بعدما انقسم الجيش جيشيْن ثم جيوشاً، وانتهى الأمر بلبنان إلى دولة تتطلع إلى نعمة الاستقرار حتى الآن ولا تنالها.
ما يمكن قوله في انتظار الوقوف على الأسباب الحقيقية والموجبة لانفجار الموقف حرباً، وفي ضوء ردود الفعل العربية والدولية فضلاً عن موقف أهل السودان، يمكن إيجازه بالنقاط الآتية:
• لقد بالغ الطيف الثوري المدني السياسي في الإكثار من الكلام غير المستحب عن الطيف العسكري، وبالذات المطالبة بتسليم السُّلطة إلى الحُكم المدني. وهذه الحدة جعلت الطيف العسكري المتمثل بقيادة الجيش يزداد تمسكاً بالسلطة. وقد تكون مجموعة من ضباط الصف الثاني وجنرالات ليسوا في المشهد تشاوروا في الأمر واطمأنوا إلى أن السلاح الجوي يمكن أن يحسم الأمر في ساعات قليلة إنما بعد التخلص من عبء «قوات التدخل السريع» وأنَّ قائد هذه القوات (حميدتي) عرف بالأمر فقرر إشعال الموقف حرباً مطمئنّاً إلى أن علاقاته العربية والدولية تؤهله في حال كسب الجولات، إلى أن يكون هو الرجل الأول في الحكم.
• اللافت أن الطيف السياسي بكامل أحزابه ونقاباته وقف متابعاً محتاراً ومندهشاً، كما أن المناشدات العربية والدولية والأفريقية خاطبت الطرفيْن بمفردات التكافؤ، أي ليس إقراراً منهم بأن ما يمثله البرهان يوجب التخاطب، فالتحادث معه فقط بحكم منصبه العسكرو - مدني. وهذا جليٌّ في عبارة «نناشد الطرفيْن وقف الحرب واعتماد الحوار».
• من المهم الأخذ في الاعتبار أن العقيدة العسكرية، قتالاً وسلوكاً، لدى «الجيش النظامي» تختلف عن عقيدة «الجيش المساند». وهذا يتسبب في نشوء حساسيات تؤدي إلى مواجهات أحياناً.
• يملك قائد «قوات التدخل السريع» ورقتيْن مهمتيْن؛ الأولى أن له سنداً عميقاً من قبائل سودانية، والأخرى أنه قادر على أن يقول للطيف السياسي الثوري إن وقفته إلى جانب الثورة ضد النظام ومساندة القيادة العسكرية متمثلةً بالجنرال البرهان هما اللتان حسمتا أمر إسقاط البشير، أي إنه من دون «تدخله السريع» كان النظام البشيري «الإنقاذي» سيبتلع الثورة الشعبية ضده.
نختم كإطلالة أولى على مفاجأة «الحرب السودانية» (بدأت السبت 24 رمضان، الخامس عشر من أبريل - نيسان 2023) بالقول إن هذا المسلسل المدمِّر طوال آخر أيام رمضان، كان ندبة في جبين الوطنية السودانية لعقود من الزمن. وأما حرب رمضان المصرية فكانت نجمة في تاريخ العسكرية المصرية (العاشر من رمضان، السادس من أكتوبر - تشرين الأول 1973) تضيء سماء الأمة إلى الآن... وعلى مدى سنوات الصراع العربي - الفلسطيني المأمول من القمة العربية في الرياض بعد أيام ما هو أكثر من خطوة تقليدية في شأنه.
أعان الله السودان وحماه وهدى إلى الطريق القويم.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مسلسل رمضاني حربي غير مستحب مسلسل رمضاني حربي غير مستحب



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة

GMT 17:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

حرب غزة ومواجهة ايران محطات حاسمة في مستقبل نتنياهو

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab