بين «تك توك» وتسريب وثائق الأمن الأميركي

بين «تك توك» وتسريب وثائق الأمن الأميركي

بين «تك توك» وتسريب وثائق الأمن الأميركي

 العرب اليوم -

بين «تك توك» وتسريب وثائق الأمن الأميركي

نديم قطيش
بقلم : نديم قطيش

بشكل صارخ، تتعارض مخاوف الولايات المتحدة بشأن منصة التواصل الاجتماعي الصينية «تك توك»، مع تصرفات أميركا نفسها فيما يتعلق بالخصوصية والمراقبة. فضيحة التسريبات الاستخباراتية الأميركية الأخيرة، والتي وُصفت بأنها الأضخم في تاريخ أميركا، وما كشفت عنه من تجسس أميركي يطال الحلفاء والخصوم معاً، تلقي بظلال من الشك على مصداقية مزاعم واشنطن بشأن حماية حقوق الخصوصية، وتضعف الحجج التي تستخدمها لتبرير تدقيقها في سياسات التعقب وجمع البيانات التي تنسبها إلى الصين، وتثير التساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء المواقف التصعيدية لأميركا تجاه تطبيق «تك توك»، والتي كان آخرها جلسة استماع مثيرة في الكونغرس خضع لها الرئيس التنفيذي للتطبيق الصيني شاو تشو.
التسريب الاستخباراتي عن أنشطة التجسس الأميركية المكثفة، وعبر تقنيات غير معلنة، طالت دولاً حليفة مثل كوريا الجنوبية، لا يثير فقط المخاوف المتعلقة باختلال التوازن بين الأمن القومي والخصوصية والسيادة فحسب، بل يسلط الضوء أيضاً على النفاق الواضح للولايات المتحدة. فكيف يمكن لأميركا أن تثير المخاوف حول أنشطة المراقبة والتجسس للدول الأخرى في أثناء انخراطها في ممارسات مماثلة أشمل وأكبر وأخطر، من دون أن تغامر بتقويض سلطتها الأخلاقية؟
لا يعدّ هذا التسريب مجرد صفعة لأميركا، بل أصبح دليلاً على تآكل الثقة والمصداقية في العلاقات الدولية، ما يجعل من الصعب على الولايات المتحدة وغيرها معالجة قضايا الأمن السيبراني العالمي بشكل فعال. فقد أدى فضح أنشطة التجسس الأميركية إلى توتر العلاقات مع بعض حلفاء واشنطن قبل خصومها، ما من شأنه أن يصعّب بناء التوافقات الضرورية للتعاون في معالجة قضايا الأمن السيبراني العالمية، بما في ذلك تلك المتعلقة بأنشطة التجسس الصينية المزعومة والتي تُقلق واشنطن.
التسريب الأخير هو أحدث فضيحة من نوعها في أميركا وقد سبقتها فضائح أخرى طالت التجسس على زعماء غربيين ومواطنين أميركيين، كما طالت التعاون بين الاستخبارات الأميركية وشركات التكنولوجيا لجمع البيانات عنهم وعن أنشطتهم.
فعام 2013 سرب الموظف السابق في وكالة الأمن القومي (NSA) إدوارد سنودن، مجموعة من الوثائق السرية للصحافيين، كاشفاً عن برامج مراقبة مكثفة نفّذتها وكالة الأمن القومي وشركاؤها الدوليون، مشيراً على وجه التحديد إلى برنامج محدد سمح لوكالة الأمن القومي بجمع البيانات من شركات الإنترنت الكبرى مثل «غوغل» و«فيسبوك» و«مايكروسوفت». كشفت التسريبات أن وكالة الأمن القومي لم تكن تتجسس على المواطنين الأميركيين فحسب، بل كانت تتجسس أيضاً على القادة والمواطنين الأجانب، مما أدى إلى توتر العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها، لا سيما ألمانيا، إثر افتضاح أمر التجسس الأميركي على هاتف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
وفي عام 2014 اعترفت وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إيه» بالتجسس على مجلس الشيوخ الأميركي عبر اختراق أجهزة كومبيوتر خاصة بأعضاء لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ في أثناء تحقيقهم في برنامج الوكالة للاحتجاز والاستجواب.
كما كشفت «ويكيليكس» عن سلسلة من المستندات التي توثق وتوضح بالتفصيل أدوات القرصنة وتقنيات التجسس الإلكتروني التي تستخدمها وكالة المخابرات المركزية لاختراق الهواتف الذكية وأجهزة الكومبيوتر وحتى أجهزة التلفزيون المتصلة بالإنترنت.
إنها إذاً منظومة مراقبة وتعقُّب متكاملة تطال مجالات الأمن القومي لجهة العلاقات مع الحلفاء والخصوم وتطال أيضاً الخصوصيات الفردية لكل إنسان موصول على شبكة الإنترنت أو شبكات الاتصال الحديثة.
يلقي كل ما تقدم الضوء على التآكل الخطير الحاصل لمعايير الخصوصية في جميع أنحاء العالم، في حين يشجع انخراط أميركا في أنشطة المراقبة الجماعية دولاً أخرى على تبني ممارسات مماثلة، لتعزيز قوتها ونفوذها. ولن يكون غريباً أن تُستغل فضائح التجسس من هذه الدول لصرف الانتباه عن أنشطة المراقبة الخاصة بها أو لتبرير أفعالها، لا سيما في الأماكن التي لا تتمتع بحد أدنى من البنية التحتية القانونية لحماية خصوصيات الأفراد أو تقنين الوجهات التي تُستخدم بها البيانات والمعلومات المجمعة.
من سوء حظ واشنطن أن تحصل فضيحة التسريبات الاستخباراتية في عز المعركة بينها وبين بكين حول تطبيق «تك توك» وما يثيره من مخاوف تتعلق بالأمن القومي الأميركي، إن كان لجهة إمكانية وصول الحكومة الصينية إلى بيانات المستخدمين الأميركيين أو لجهة استخدام النظام الصيني للتطبيق لإدارة وتشغيل حملات التضليل. يرسم هذا التزامن صورة مربكة عن التناقض في موقف حكومة الولايات المتحدة التي تعبّر عن مخاوف من ممارسات الحكومة الصينية، وهي تمارس أفظع منها بحق الأمن القومي للآخرين كما بحق خصوصيات الأفراد.
الأخطر من ذلك، أنه وفي عز الحاجة الكونية لتنظيم الأمن السيبراني، ومواكبة انفجار استخدامات الذكاء الصناعي باتفاقيات وتفاهمات رئيسية، جاءت فضيحة التسريبات الاستخباراتية الأميركية، لتعزز الانطباع الخطير بأن عنوان الأمن السيبراني ليس إلا واجهة وأداة حربية في الصراع التجاري والتكنولوجي بين أميركا والصين.
فليس سراً أن الولايات المتحدة والصين تنخرطان في منافسة تكنولوجية وتجارية قاسية ما يعزز الشكوك بأن إجراءات الحكومة الأميركية ضد «تك توك» هي مجرد محاولة لحماية صناعة التكنولوجيا المحلية، تحت غطاء الأمن القومي، بعد أن اكتسب التطبيق جاذبية كبيرة في السوق الأميركية وبات يهدد هيمنة شركات التكنولوجيا الأميركية مثل «فيسبوك» و«غوغل».
ولا ينفصل ذلك عن التنافس بين العملاقين على الريادة في التقنيات الناشئة، مثل الذكاء الصناعي والجيل الخامس والكوانتوم كومبيوتنغ، في ظل حرب تجارية شرسة من غير المستبعد أن تُستخدم في سياقها كل أوراق المساومة والابتزاز.
التسريبات الاستخبارية الأميركية ليست قصة عن العلاقات المصرية - الروسية أو الأدوار الداخلية المزعومة للموساد في القضايا الداخلية الإسرائيلية، ولا هي قصة عن إمكانات الجيش الروسي أو وضعية الجيش الأوكراني... كل هذا، وغيره مما ورد في الوثائق، مهم. الأهم أن هذه قصة عن الجهود الأميركية الجبارة في التجسس والتعقب والمراقبة، وما سيتركه افتضاح هذا الجانب «المعروف والسري» من أثر كبير على مصداقية وسمعة وفاعلية أميركا في قيادة جهود التعاون الدولي للتصدي لتحديات واحد من أخطر تطورات البشرية، وهي الثورة التكنولوجية الهائلة التي نعيش بدايتها مع توسع استخدامات الذكاء الصناعي والبيانات الضخمة والأمن السيبراني.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين «تك توك» وتسريب وثائق الأمن الأميركي بين «تك توك» وتسريب وثائق الأمن الأميركي



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab