لبنان المرفأ والمخيم والمصرف المركزي

لبنان... المرفأ والمخيم والمصرف المركزي

لبنان... المرفأ والمخيم والمصرف المركزي

 العرب اليوم -

لبنان المرفأ والمخيم والمصرف المركزي

بقلم - نديم قطيش

أبكر انفجار الرابع من أغسطس (آب) 2020، الذي دمّر مرفأ بيروت وثلث العاصمة وقتل وجرح المئات، في التحول إلى مجرد مأساة سابقة في سلسلة المآسي اللبنانية. مرَّت الذكرى بما هو متوقع من غضب حملته التصريحات السياسية والتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي. غاب عن هذا اليوم العصب السياسي والاجتماعي الذي اعتدنا في حالات أخرى أن يعيش أطول، ويظل مادة صالحة للتعبئة ولاستنهاض الهمة السياسية. شيء من الاستسلام يميز مناخات الذكرى الثالثة لأحد أكبر الانفجارات غير النووية في تاريخ البشرية. حتى دراما التحقيق في القضية بكل طلعاتها ونزلاتها أزيحت إلى الهامش، بعد أن تمكنت قوى النظام السياسي من الانتصار على القاضي طارق البيطار، مستفيدة من أخطائه التكتيكية في إدارة معركة التحقيق.

شيء من اليأس سحب من يوميات اللبنانيين حتى القدرة على «الأمل الفولكلوري»، كما في أغنية «راجع راجع يتعمر راجع لبنان». حتى هذا الوعد بدا ساذجاً وممجوجاً. هو شعور عارم بأن ما ذهب لن يرجع، وأن الأفضل هو العيش مع الموجود، بصيغة فورة المغتربين وفعاليات الصيف، ثم إسدال الستارة بعد «حلب» أسابيع الإجازات حتى آخر ساعة سهر، والعودة إلى الأوطان البديلة في المغتربات.

لم يفقد الناس القدرة على تحميل المعنيين المسؤولية عن مأساة انفجار المرفأ وحسب. الأخطر أنهم فقدوا الرغبة في ذلك، إلا ربما من كوتهم نار المأساة بشكل مباشر. لا يحتاج اللبنانيون إلى أدلة أخرى ليتثبتوا من تجذّر ثقافة الإفلات من العقاب السائدة وانعدام المساءلة. مرور الذكرى الثالثة لانفجار المرفأ، بالطريقة والمناخ اللذين مرّت بهما، توضح بما لا يدع مجالاً للشك أي مستوى وصله تآكل الثقة والإيمان بالدولة اللبنانية.

عرف اللبنانيون وخبروا مسارات قضائية أهمّ بكثير من أيّ شيء يمكن تصوّره بشأن قضية المرفأ. المحكمة الخاصة بلبنان المتعلقة بقضية اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري، أدانت عضويين من ميليشيا «حزب الله» بالمسؤولية عن الجريمة التي ما نزال نعيش في حفرتها منذ 18 عاماً. ولكن هل يعقل أن هذه المحكمة دخلت هي الأخرى حقبة النسيان والأرشيف، في حين لا يزال القاتل، يدير اللعبة السياسية والأمنيّة؟

من المفارقات التي عادة ما تحف بالنهايات وتكثف من رمزياتها، هي ما تقاطع من أحداث أخرى مع لحظة الذكرى الثالثة لانفجار المرفأ، وأبرزها حدثان: نهاية ولاية حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة وسط أزمة اقتصادية ومالية ونقدية هي الأخطر في لبنان منذ قرن ونصف القرن، وانفجار العنف في مخيم عين الحلوة، جنوب لبنان، وهو أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في البلد.

غادر سلامة منصبه بعد ثلاثين عاماً، لا بفعل آليات المحاسبة أو بدافع من إحساسه بالمسؤولية عن الأزمة، بل بفعل انتهاء ولايته التي مُدّدت مراراً وتكراراً بتواطؤ من كل أركان المنظومة السياسية. شكّل سلامة في ألق تجربته، رمزاً للاستقرار الاقتصادي والنقدي اللبناني، وأحد أبطال النهوض بالاقتصاد اللبناني خلال فترة ما بعد الحرب الأهلية. أما خروجه اليوم فيعدّ التجسيد الكامل لانهيار الاقتصاد اللبناني برمّته وتصدع كل الوعود والسرديات التي رافقت لبنان ما بعد الطائف، وصنعت صورته ومثاله. انتهى سلامة ليكون خلاصةً لانحطاط التجربة الاقتصادية اللبنانية، التي اختلط فيها الفساد البنيوي وسوء الإدارة على أعلى مستويات أجهزتها المالية، مع سلوكيات النصب الفردي والإثراء والتحايل التي هي موضوع تحقيقات مجهرية في ست دول أوروبية.نهايته الفردية هي نهاية تجربة كاملة حاولت أن تحيي من تاريخ لبنان أفضل ما أنتجته الحداثة السياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط قبل الحرب. قُطع رأس هذه التجربة باغتيال رفيق الحريري عام 2005، وفقد رجالٌ مثل رياض سلامة بوصلاتهم الأخلاقية وراحوا يغرقون لا في لعبة التعايش مع كل نقائض الاقتصاد الليبرالي الحر، وأبرزها التعايش مع الميليشيا.

في هذا السياق تحديداً يأتي تفجّر العنف في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، ليضعنا أمام اكتمال دائرة التصدع والانهيار.

لا تفضح الاشتباكات في المخيم بين ميليشيات إسلامية وبين مسلحي حركة «فتح» وقوات الأمن الفلسطينية عجز الدولة عن بسط سيادتها وحسب، بل تؤكد أن لبنان لم يكن منذ عام 1969 وتوقيع اتفاق القاهرة إلا ساحة للسلاح غير الشرعي، الفلسطيني ثم الإيراني... محنة المخيم هي تجسيد شامل للفوضى الأوسع التي ابُتلي بها لبنان، وحاول التحايل عليها بكل الطرق الممكنة، قبل أن نكتشف أن التعايش مع السلاح لم ينتج إلا ما نذوقه ونعانيه.

يقع هذا السلاح في صلب أسباب فشل التجربة اللبنانية. فشل القيادات اللبنانية في الحفاظ على المسؤوليات التي أُنيطت بها كما توجز تجربة رياض سلامة. فشل الدولة في بسط سيادتها واحتكار السلاح بما يمنع فوضى العنف. وفشل المؤسسات القضائية في دور المساءلة والمحاسبة.

ربط هذه الروايات الثلاث، المرفأ والمخيم والمصرف المركزي، يقود إلى سردية متماسكة عن تصدع لبنان وانحداره.

خروج سلامة بشكله وتوقيته ينذر بتفاقم الكارثة الاقتصادية. الاشتباكات في مخيم عين الحلوة تذكّر اللبنانيين بأن السلام اللبناني مجرد وقت مستقطع بين حربين. مآلات قضية انفجار المرفأ تجسّد الثقافة عميقة الجذور للإفلات من العقاب السائدة في كل لبنان. إنها ثلاثية كابوسية تختصر الزوال الوشيك لهذا البلد كما نعرفه، نتيجة تحالف الانهيارات الاقتصادية والسياسية والمجتمعية.

كل هذا الفشل، أنتجه السلاح ورعاه السلاح، ولا حل خارج معالجة جذرية للسلاح أكان سلاح الميليشيات الفلسطينية أم سلاح ميليشيا «حزب الله».

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان المرفأ والمخيم والمصرف المركزي لبنان المرفأ والمخيم والمصرف المركزي



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 03:27 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة
 العرب اليوم - فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة

GMT 20:15 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل
 العرب اليوم - جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل

GMT 13:23 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو وميسي على قائمة المرشحين لجوائز "غلوب سوكر"
 العرب اليوم - رونالدو وميسي على قائمة المرشحين لجوائز "غلوب سوكر"

GMT 22:43 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
 العرب اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 03:43 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلة ليلاء؟!

GMT 07:03 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 03:23 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

تناول المكسرات يوميًا يخفض خطر الإصابة بالخرف

GMT 08:21 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى عيد الجهاد!

GMT 13:15 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 7 جنود إسرائيليين في تفجير مبنى مفخخ جنوب لبنان

GMT 12:42 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد تكالة يُنتخب رئيساً للمجلس الأعلى للدولة في ليبيا

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ريال مدريد يدرس ضم أرنولد من ليفربول في يناير القادم

GMT 08:02 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الرياض... بيانٌ للناس

GMT 13:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

برشلونة يعلن إصابة أنسو فاتي وغيابه 4 أسابيع

GMT 11:44 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيتنام أيرلاينز" بصدد شراء 50 طائرة في النصف الأول من 2025

GMT 20:36 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

إسعاد يونس تتمنى أن يجمعها عمل مسرحي بشريهان

GMT 10:43 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

عملة البيتكوين تقترب من 90 ألف دولار بعد انتخاب ترامب

GMT 10:41 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

ليفربول يفقد أرنولد أسبوعين ويلحق بموقعة ريال مدريد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab