في مديح اتفاق «17 مايو»

في مديح اتفاق «17 مايو»

في مديح اتفاق «17 مايو»

 العرب اليوم -

في مديح اتفاق «17 مايو»

بقلم - نديم قطيش

جعل اللغو والصراخ السياسيين، اتفاق السلام بين إسرائيل ولبنان، الموقَّع في 17 مايو (أيار) 1983، شيئاً يشبه المحرمات. المحاولة المهمة لإقامة السلام وتطبيع العلاقات بين البلدين، وسط فوضى الحرب الأهلية اللبنانية، والزلازل التي كانت تضرب الجيوبوليتيك الإقليمي، عبر ثورة الخميني والسلام المصري - الإسرائيلي، وفي ظلال الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، صمدت أقل من 10 أشهر.

منذ ذلك الحين، وبسبب مباشر من الوجود السوري الطويل في لبنان وسيطرته على الثقافة والخطاب السياسيين في البلاد، ثم وراثة ميليشيا «حزب الله» هذا الدور السوري، أُبطل كل نقاش حقيقي حول السلام الإسرائيلي - اللبناني. وجرى تزوير اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية بقراءات تعزز المقاومة وتؤبد العداء اللبناني - الإسرائيلي وتؤدلجه ضمن سياق لا علاقة له بالمصالح اللبنانية العملية والمباشرة، كالاحتلال والموارد والأمن وغيرها.

نصَّت معاهدة السلام على الاعتراف المتبادَل بين حكومتي البلدين بالسيادة وسلامة الأراضي، مع الالتزام بمنع الأعمال العدائية عبر الحدود. ووافقت إسرائيل على سحب قواتها من لبنان على مراحل خلال 12 أسبوعاً، بشرط انسحاب القوات السورية وقوات منظمة التحرير الفلسطينية من الأراضي اللبنانية. وكان مقرراً إنشاء منطقة أمنية في جنوب لبنان، يتولى فيها الجيش اللبناني مسؤولية الأمن، بالإضافة إلى بنود عامة بشأن التعاون الاقتصادي والاجتماعي، وفتح الباب على تبادل العلاقات الدبلوماسية.

لا شيء من هذه البنود يتعارض مع مصالح لبنان!

اللافت أن بين مَن صوَّتوا على الاتفاق في حينه، بأغلبية 65 صوتاً في البرلمان، خليطاً من أبرز الساسة المسلمين والمسيحيين، وممن تسنى لهم أن يلعبوا لاحقاً أدواراً متقدمة في المشهد السياسي اللبناني، وزراء ونواباً وأعياناً، وتولى من بينهم الراحل إلياس الهراوي منصب رئيس الجمهورية لتسع سنوات!

أما من صوَّتا ضد اتفاق 17 مايو داخل البرلمان فكانا من رموز اللغو العروبي اليساري، وهما زاهر الخطيب ونجاح واكيم! الاعتراض الأقسى تمركز خارج البرلمان وتحديداً عبر الميليشيات المذهبية، الدرزية والشيعية، بالتحالف مع الرئيس الأسبق، السوري الهوى، سليمان فرنجية، وعروبيي الطائفة السنية كالرئيس الراحل رشيد كرامي، ومفتيها الراحل حسن خالد... واللافت أن الطائفة السُّنية ستدفع أثماناً باهظة لاحقاً جراء مناوءتها الوجود السوري، وتنزف بعد سنوات قليلة جداً عدداً من الوجوه والأعيان ممن تقاطعوا مرحلياً مع سوريا حافظ الأسد على رفض معاهدة السلام، كالمفتي خالد والنائب ناظم القادري وآخرين.

حقيقة الأمر أن اتفاقية 17 مايو لم تسقط جراء عدم تحقيقها مصالح لبنان، بل بسبب معارضة سوريا الشديدة لها وحرصها على استمرارية نفوذها في لبنان، وكفاءتها في الاستثمار في الانقسامات اللبنانية وصراع الأجيال داخل الطوائف، وفطنتها في ترفيع طامحين جدد غيَّرت عبرهم كامل النخبة السياسية في البلاد. كما سقطت المعاهدة كي لا تكون عائقاً أمام السطو الإيراني الممنهج على شيعة لبنان، ممن صوَّت أعيانهم لصالح السلام، في حين كانت تسعى الخمينية لتحويلهم إلى رافعة لمشروع تصدير الثورة.

لعلها من سخريات القدر اليوم، أن لبنان، الذي يواجه أسوأ أزماته الاقتصادية منذ 150 عاماً حسب تقديرات البنك الدولي، وينازع على حافة الحرب الشاملة مع إسرائيل جراء قرار «حزب الله» إسناد حركة «حماس» في حربها الراهنة في غزة... يفاوض إسرائيل بشكل غير مباشر عبر حليفه الرئيس نبيه بري والأميركيين، على ما هو شبيه بترتيبات 17 مايو، أقله لناحية المناطق العازلة، وترسيم الحدود، وترتيبات الهدنة!

صحيح أنه لا بحث راهناً في التطبيع السياسي أو إنهاء حال العداء، بيد أن اتفاق السلام اللبناني - الإسرائيلي يبقى، بروحه والكثير من نصوصه، الأفق الوحيد المنطقي لعلاقات البلدين.

مثَّل اتفاق 17 مايو فرصة كبيرة ضائعة للبنان، كان من الممكن أن تغيِّر مسار البلاد نحو مصير مختلف تماماً. ولو قُيِّض للمعاهدة أن تصمد، فما كان لشيء أن يمنع تعزيز التعاون الاقتصادي مع إسرائيل، عبر مشاريع مشتركة في البنية التحتية والتجارة والسياحة والطاقة وتحقيق النمو وفرص العمل. ولأمكن أن يحظى لبنان بدعم مستدام وممنهج من الولايات المتحدة كضامن، يمكّنه من جذب مساعدات واستثمارات خارجية كبيرة.

بإسقاط هذه الفرصة، استمر لبنان في دفع ثمن باهظ من حيث التشرذم السياسي، والانهيار الاقتصادي، والصراع المستمر، والتشابك القاتل في الصراعات الإقليمية. السلام اللبناني - الإسرائيلي، مدعوماً بضمانات دولية قوية، ضرورية لتحقيق السلام والاستقرار الدائمين، وحده ما سيمكّن لبنان من استعادة إمكاناته وتأمين مستقبل أكثر إشراقاً لمواطنيه.

عاجلاً أم آجلاً، ستذهب المنطقة برمّتها نحو مزيد من السلام، وسيكون لبنان قد دفع كثيراً من الأثمان الرهيبة قبل أن يلتحق بما كان متاحاً له بتكاليف أقل.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في مديح اتفاق «17 مايو» في مديح اتفاق «17 مايو»



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 03:27 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة
 العرب اليوم - فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة

GMT 20:15 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل
 العرب اليوم - جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل

GMT 22:43 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
 العرب اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 03:43 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلة ليلاء؟!

GMT 07:03 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 03:23 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

تناول المكسرات يوميًا يخفض خطر الإصابة بالخرف

GMT 08:21 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى عيد الجهاد!

GMT 13:15 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 7 جنود إسرائيليين في تفجير مبنى مفخخ جنوب لبنان

GMT 12:42 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد تكالة يُنتخب رئيساً للمجلس الأعلى للدولة في ليبيا

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ريال مدريد يدرس ضم أرنولد من ليفربول في يناير القادم

GMT 08:02 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الرياض... بيانٌ للناس

GMT 13:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

برشلونة يعلن إصابة أنسو فاتي وغيابه 4 أسابيع

GMT 11:44 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيتنام أيرلاينز" بصدد شراء 50 طائرة في النصف الأول من 2025

GMT 20:36 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

إسعاد يونس تتمنى أن يجمعها عمل مسرحي بشريهان

GMT 10:43 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

عملة البيتكوين تقترب من 90 ألف دولار بعد انتخاب ترامب

GMT 10:41 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

ليفربول يفقد أرنولد أسبوعين ويلحق بموقعة ريال مدريد

GMT 11:11 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

هاني سلامة وياسمين رئيس يجتمعان مجددا بعد غياب 12 عاما

GMT 13:36 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

أمازون تؤكد تعرض بيانات موظفيها للاختراق من جهة خارجية

GMT 13:40 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الصين تطلق قمرا صطناعيا جديدا لرصد انبعاثات غاز الميثان

GMT 17:33 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل شخصين في الغارة الإسرائيلية على مدينة صور جنوبي لبنان

GMT 03:50 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

قمة الرياض.. لغة قوية تنتظر التنفيذ
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab