قمة العشرين في عالم جديد

قمة العشرين في عالم جديد

قمة العشرين في عالم جديد

 العرب اليوم -

قمة العشرين في عالم جديد

بقلم - نديم قطيش

ليست اجتماعات مجموعة العشرين هذه المرة كسابقاتها. بدت قمة نيودلهي وكأنها تلخص أحوال العالم في لحظته الراهنة؛ لا سيما لجهة ما يحصل على مستوى التوازنات الجيوسياسية وصراعات الاستقطاب الدولي. واشنطن ظهرت متخففة من سلوكيات «التفوق الأخلاقي» وعجرفتها، وأكثر استعداداً لاستيعاب شروط وخصوصيات القوى الناشئة، كالهند والسعودية والإمارات. الصين التي غاب رئيسها، لأسباب وخلفيات متعددة، كانت الغائب الحاضر الأكبر. أما الهند وحماستها لتعزيز حضورها السياسي والاقتصادي على المسرح العالمي، على الرغم من المعوقات الكثيرة، فكانت «الوجه الإعلاني» للحظة العالم الجديد.

ليست قمة العشرين هذه المرة أقل من تعبير مكثف عن السعي النشيط، من قبل دول الجنوب على وجه التحديد، لإعادة تعريف العلاقات الدولية على أساس أكثر إنصافاً وعدلاً.

يبدو واضحاً أن الديناميكيات الجديدة التي تشهدها العلاقات الدولية، تصب كلها عند فكرة نشوء عالم «متعدد الانحيازات» لا تختصر فيه علاقات الدول بمحاور محددة ومعسكرات ثابتة ونهائية.

ليس أدل على ذلك من التعليقات الأخيرة التي أدلى بها منسق مجلس الأمن القومي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، كورت كامبل، عقب الاجتماع بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي. قال كامبل إن «العلاقة بين الولايات المتحدة والهند ستكون العلاقة الثنائية الأكثر أهمية في القرن الحادي والعشرين»، بالتوازي مع اعترافه بأن «الهند تسعى لإقامة علاقة ثابتة ومستقرة مع الصين». ولئن أضاف كامبل إلى أن «الهند لن تضحي بمصالحها الأمنية مع واشنطن من أجل غايات تجارية مع الصين»، جاء كلامه بمثابة اعتراف بأننا نعيش في عالم مختلف يسمح لدولة كالهند، وغيرها، ببناء شراكات مرنة، مع دول ومحاور متصارعة، بدل التمترس في معسكرات سياسية وآيديولوجية متقابلة، على النحو الذي كانت عليه العلاقات الدولية خلال الحرب الباردة.

لم تنتزع الهند هذا الموقع بسهولة. فطموحات الهند في التحول إلى قوة عالمية مستقلة عن تأثيرات الكبار ليست أمراً بديهياً في ضوء حزمة التحديات المتعددة التي تواجهها. فمن صراعات الهويات العرقية والدينية داخل الهند، المترافقة مع إشكاليات صعود القومية الهندوسية، إلى التوترات الحدودية مع دول الجوار كالصين وباكستان، إلى التفاوت الاقتصادي الحاد بين الأقاليم والقوميات، مروراً بترهل البيروقراطية، وتدني مستويات الاستثمار الأجنبي والقدرة التنافسية الدولية، وفجوات هائلة في قطاعات الصحة والتعليم والموارد، لا تزال الهند بعيدة عن تفعيل إمكاناتها للتحول إلى اللاعب الدولي الذي تريده لنفسها. بيد أن ما حققته حتى الآن من مكانة دولية وسمعة مستقبلية يبدو بمثابة معجزة في السياسة الدولية، ومصدر إلهام لكثير من دول العالم الساعية لابتكار نظام دولي أكثر عدلاً.

وإذا كانت الهند عبر استضافتها لقمة العشرين تريد التأكيد على هذا العالم الجديد وموقع الهند فيه «كصديق للعالم»، كما جاء في خطاب الاستقلال للرئيس مودي قبل أسابيع، فإن غياب الرئيس الصيني شي جينبينغ يبعث برسالة مشابهة في مضمونها، وإن بشكل صدامي أوضح. يعبر غياب الرئيس الصيني عن امتعاضه من نظام العلاقات الدولية القائم الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة، ما يجعله راغباً في الاكتفاء بالمشاركة في المنتديات المتعددة الأطراف التي تتماشى مع رؤية الصين للحوكمة العالمية، مثل قمة «البريكس» ومنتدى «الحزام والطريق» المقبل.

عُزي غياب الرئيس الصيني لأسباب كثيرة. غاب -ربما- بدافع من رغبته في تجنب المساءلة الإعلامية والسياسية الدولية عن المصاعب التي يواجهها الاقتصاد الصيني راهناً؛ لا سيما في ضوء تقارير عن خلافات غير مسبوقة داخل النخبة الصينية الحاكمة حول السياستين الخارجية والداخلية للرئيس جينبينغ. وقد يكون التوتر الكامن في العلاقات بين الصين والهند، وعدم رغبة جينبينغ في أن يكون شاهداً على تنامي العلاقات الهندية- الأميركية، أو أن يمنح حضوره ثقلاً إضافياً لقدرات الهند على تنظيم منتدى دولي يحظى بصفة الشمولية، سبباً إضافياً لتفسير غيابه.

لكن ما لا يجب التقليل من شأنه، أن الرئيس الصيني -على الأرجح- تعمد الغياب في سياق استراتيجية واعية يعتمدها، ويريد من خلالها إهمال المنتديات الدولية التي تحظى فيها واشنطن بمقعد الزعامة، وتعزيز الهياكل البديلة التي تلعب فيها الصين دوراً مركزياً، كمجموعة «بريكس» وغيرها. من الصعب تجاهل ذلك بوصفه شكلاً من أشكال تحدي نظام العلاقات الدولية القائم بقيادة الولايات المتحدة الذي تعتبر الصين أنه يفتقر إلى معايير العدل والإنصاف. وما يعزز الانطباع أن غيابه جزء من استراتيجية واعية، أن سجل رحلاته الخارجية انخفض بشكل كبير هذا العام، واقتصرت زياراته على الدول التي تعدها بكين دولاً صديقة.

تطرح هذه السلوكيات الدولية والمطامح داخل وخارج قمة العشرين مسألة العدالة في النظام الدولي، على نحو غير مسبوق منذ نهاية الحرب الباردة. ويقدم مشهد العلاقات المتفجرة -مثلاً بين فرنسا وأفريقيا، عبر الانقلابات المتتالية في مستعمرات فرنسا السابقة- دليلاً على أن السعي إلى نظام دولي أكثر عدلاً يتجاوز مسألة التنافس بين الولايات المتحدة والصين.

ما الذي يشكل نظاماً دولياً عادلاً؟

ليس هذا سؤالاً في الأخلاق وحسب؛ بل سؤال حول الأسس المعيارية والقانونية والسياسية التي يمكن لها أن تضمن أمناً عالمياً مستداماً. سؤال في صلب الحاجة لتطوير الفلسفة السياسية.

فالنظريات حول العدالة والإنصاف في العلاقات الدولية، والتي تشكلت في الأصل وفقاً لاحتياجات الديمقراطية الليبرالية خلال صراعها المديد مع الشيوعية، لم تعد كافية للاستجابة لمشكلاتنا المعاصرة، أكانت إفرازات النيوليبرالية، أو الاستبداد، أو صعود الشعبوية، أو قضايا المناخ وقفزات التكنولوجيا؛ لا سيما في حقل الذكاء الاصطناعي.

إن السخط الذي يختمر في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط ضد قواعد النظام الدولي الراهنة، يمثل دعوة ملحة لإعادة هيكلة النظام الدولي وأولوياته، على أسس ومبادئ تحمل تصوراً مركباً لأفكار العدالة والمساواة والاحترام المتبادل.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قمة العشرين في عالم جديد قمة العشرين في عالم جديد



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 03:27 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة
 العرب اليوم - فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة

GMT 20:15 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل
 العرب اليوم - جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل

GMT 22:43 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
 العرب اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 03:43 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلة ليلاء؟!

GMT 07:03 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 03:23 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

تناول المكسرات يوميًا يخفض خطر الإصابة بالخرف

GMT 08:21 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى عيد الجهاد!

GMT 13:15 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 7 جنود إسرائيليين في تفجير مبنى مفخخ جنوب لبنان

GMT 12:42 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد تكالة يُنتخب رئيساً للمجلس الأعلى للدولة في ليبيا

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ريال مدريد يدرس ضم أرنولد من ليفربول في يناير القادم

GMT 08:02 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الرياض... بيانٌ للناس

GMT 13:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

برشلونة يعلن إصابة أنسو فاتي وغيابه 4 أسابيع

GMT 11:44 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيتنام أيرلاينز" بصدد شراء 50 طائرة في النصف الأول من 2025

GMT 20:36 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

إسعاد يونس تتمنى أن يجمعها عمل مسرحي بشريهان

GMT 10:43 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

عملة البيتكوين تقترب من 90 ألف دولار بعد انتخاب ترامب

GMT 10:41 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

ليفربول يفقد أرنولد أسبوعين ويلحق بموقعة ريال مدريد

GMT 11:11 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

هاني سلامة وياسمين رئيس يجتمعان مجددا بعد غياب 12 عاما

GMT 13:36 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

أمازون تؤكد تعرض بيانات موظفيها للاختراق من جهة خارجية

GMT 13:40 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الصين تطلق قمرا صطناعيا جديدا لرصد انبعاثات غاز الميثان

GMT 17:33 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل شخصين في الغارة الإسرائيلية على مدينة صور جنوبي لبنان

GMT 03:50 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

قمة الرياض.. لغة قوية تنتظر التنفيذ
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab