ماذا أراد بوتين من الحوار مع كارلسون

ماذا أراد بوتين من الحوار مع كارلسون؟

ماذا أراد بوتين من الحوار مع كارلسون؟

 العرب اليوم -

ماذا أراد بوتين من الحوار مع كارلسون

بقلم - نديم قطيش

اختار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يكون مضيفه الإعلامي الأميركي تاكر كارلسون هو نجم المقابلة وما سيليها

لم يعبأ كثيراً بأناه الشخصية، وفضّل أن يحقّق عبر هذا اللقاء ما هو أبعد من الترويج لنظرياته التاريخية التي ملأ الحوار بها.

قليلة هي التصريحات الفاقعة التي خرجت من اللقاء. كأنَّ الرئيس الروسي تعمد أن لا يكون كلامه هو المحور، فتجنب أن يُهدي خصومه مواقف حادة توحِّدهم ضده، وتُقصي اختلافاتهم العميقة إلى الهامش. اختار أن يُفسح المجال لأعدائه ليستكملوا تدمير أنفسهم بدل أن ينشغلوا به وبمواقفه.

لم يَفُتْه بالطبع أن يجعل من اللقاء درساً متقناً في كيفيه الاستفادة من وسائل الإعلام الغربية للترويج للدعاية السياسية للكرملين، مقدماً سردية متعددة الأهداف الاستراتيجية. روَّج بوتين لروايته المعروفة بشأن أسباب وخلفيات الحرب في أوكرانيا، ووضعها في سياق الدفاع عن بلاده ضد «دولة مصطنعة». عرَّج على التهم المبكرة التي وجّهها إلى قادة أوكرانيا بأنَّهم نازيون جدد، واستفاد من «ليونة» مُحاوره ليتجنب المواجهة المباشرة بشأن القضايا الحساسة، مثل جرائم الحرب وقمع المعارضة داخل روسيا.

فعَل ما يلزم فقط ليصنع لنفسه صورة زعيم عاقل وثابت.

بيد أن كل ما قاله بوتين معروف سلفاً. فلماذا اللقاء؟

تَعمَّد الرئيس الروسي ألا يبالغَ في سرقة الأضواء التي أرادها أن تبقى على كارلسون.

وزَّع خلال اللقاء التعليقات الساخرة بشأن الديمقراطية الأميركية بغية تقويض الثقة بها، مستفيداً من مناخات الشك بشأن الاختلالات الوظيفية داخل النظام السياسي الأميركي، ومستثمراً في أجواء الانقسام الغزيرة قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية الحاسمة. ولأنَّه يعرف أن مُحاوره تاكر كارلسون، شخصية تختصر جلَّ الانقسامات السياسية والاجتماعية العميقة في الولايات المتحدة، لم يستعجل توظيف المقابلة منصةً للدعاية التقليدية أو الدفاع عن السياسات الروسية، بل ترك الحوار يسير باتجاه تسليط الضوء على الشقوق داخل المجتمع الأميركي ومفاقمتها. نجاح مناورته هذه يشهد له الهجوم العنيف على كارلسون بعد المقابلة، لا الهجوم على تصريحات بوتين نفسها!

والحال فإنَّ نجاح المقابلة لا يقاس بمستوى الإقناع في خطاب بوتين بل بحنكته في الاستفادة من الانتشار العالمي لوسائل الإعلام الأميركية وتوظيف طبيعتها الانقسامية بغية تأجيج الخلاف عند خصومه. جعل بوتين من كارلسون، ومكانته المثيرة للجدل في الرأي العام الأميركي ودوره الملحوظ في تضخيم الانقسامات الحزبية، عدسة تكبير عملاقة تُبرز كل ما من شأنه خدمة أهداف روسيا.

يُحسب لبوتين، فهمه للدور القوي الذي تلعبه الشخصيات والمنصات الإعلامية في تشكيل الخطاب السياسي، ليس فقط داخل الحدود الوطنية، ولكن في مجال صناعة التصورات والمواقف حول القضايا العالمية، نتيجة تغيير ديناميكيات السلطة والنفوذ في الخطاب الدولي. ويُحسب له أكثر، استعداده للانخراط في لعبة معقدة تتحوَّل فيها الشخصيات الإعلامية الدولية والروايات التي يناصرونها إلى بيادق مقصودة أو غير مقصودة للتأثير في العلاقات الدبلوماسية والرأي العام.

توضِّح ردود الفعل على الحوار، التي جاءت على شكل مئات المقالات والمقابلات، وتركزت على كارلسون نفسه لا على بوتين، مدى فاعلية استراتيجية الكرملين. جُنَّ جنون القنوات الأميركية وسال حبرٌ كثير بحق تاكر كارلسون يذكّره بالقيم الأميركية والدستور، ووصل الأمر بالبعض إلى الدعوة لفرض عقوبات على الإعلامي الأميركي لخرقه قوانين مقاطعة روسيا!

كل هذا مما توقعه بوتين على الأرجح. لذلك لم يأبه الرئيس الروسي بالتعامل مع الحوار بوصفه مناسبة صحافية لتقديم وجهة نظره، بل حوّلها إلى فرصة لتضخيم الانقسامات الأميركية التي يأمل لها أن تقوّض نفوذ واشنطن على الساحة الدولية. من خلال مواقف كارلسون وطريقته في الحوار وملامح الإعجاب بالرئيس الروسي، سلّطت المقابلة الضوء على الانقسام الأميركي والغربي بشأن حرب أوكرانيا، على نحو يكشف أنْ لا موقف غربياً موحداً من الحرب، مما يؤدي في المحصلة إلى إضعاف موقف الولايات المتحدة تجاه حلفائها وخصومها على حدٍّ سواء.

وعليه، فإنَّ للمناورة الاستراتيجية التي قام بها فلاديمير بوتين في المقابلة مع تاكر كارلسون آثاراً عميقة على السياسة الخارجية للولايات المتحدة ونسيج الرأي العام الأميركي. فمن خلال صياغة سردية موجهة لتضخيم الانقسامات القائمة داخل أميركا، لا يسعى بوتين فقط إلى التأثير في تماسك السياسات الأميركية تجاه أوكرانيا وروسيا، بل يسعى أيضاً إلى تقويض العزم الجماعي للشعب الأميركي وحلفائه بشأن القضايا التي تعني موسكو. هذا التكتيك، الذي يُنفَّذ بمهارة من خلال منصة إعلامية، لديه القدرة على التأثير في المشاعر العامة، مما يجعل من الصعب على صناع السياسة الأميركيين حشد الدعم المحلي اللازم لرد موحد وقوي على الحرب الروسية على أوكرانيا. علاوة على ذلك، فإن التجنّب المتعمَّد للقضايا الخلافية والظهور بصورة قيادية منطقية، يمكن أن يؤدي إلى استقطاب الآراء داخل الولايات المتحدة، ويوسّع رقعة الأميركيين المشككين في الروايات السائدة حول الحرب في أوكرانيا وعموم تورط الولايات المتحدة في العمليات العسكرية الخارجية.

ما يعني بوتين، أولاً وأخيراً، هو إبقاء قرارات السياسة الخارجية الأميركية أسيرة الانقسامات الداخلية، على النحو الذي يُضعف موقف واشنطن على المسرح العالمي، ويُعقّد الجهود المبذولة لتشكيل تحالفات دولية متماسكة ضد الخصوم.

المقابلة، بهذا المعنى، حققت هدفها.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا أراد بوتين من الحوار مع كارلسون ماذا أراد بوتين من الحوار مع كارلسون



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 17:12 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
 العرب اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 18:17 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أسماء جلال وأسماء أبو اليزيد تتنافسان في الغناء والسينما
 العرب اليوم - أسماء جلال وأسماء أبو اليزيد تتنافسان في الغناء والسينما

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف

GMT 08:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

تنسيق الأوشحة الملونة بطرق عصرية جذابة

GMT 09:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات أوشحة متنوعة موضة خريف وشتاء 2024-2025

GMT 06:33 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صهينة كرة القدم!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab