الاستعلاء التكنوقراطي والحاجة إلى السياسة
تصريحات ترامب تدفع الدولار للارتفاع في تعاملات آسيوية متقلبة اليوم الثلاثاء انخفاض أسعار النفط بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن خطة لتعزيز إنتاج النفط والغاز الجيش اليمني يعلن توجيه ضربات قاصمة للحوثيين في محافظتي مأرب وتعز زلزال بقوة 6 درجات يضرب تايوان ويخلف 15 مصابا بايدن يصدر عفواً لحماية الجنرال مارك ميلي والطبيب أنتوني فاوتشي وأعضاء لجنة التحقيق في أحداث 6 يناير وشهودها تحسبا لصدور قرارات ضدهم من إدارة ترامب الحوثيون يهددون باستئناف مهاجمة السفن المرتبطة بإسرائيل وأميركا وبريطانيا إذا تعرض اليمن لهجوم من هذه الدول المديرية العامة للأمن العام اللبناني تحذّر من التفاعل مع صفحة تابعة لـ"الموساد" الإسرائيلي على منصة "فيسبوك" منظمة الصحة العالمية تحذر من تفشي الأمراض المعدية بشكل كبير ومن استمرار تهديد المجاعة في غزة درجة الحرارة في فلاديفوستوك تحطم رقما قياسيا صمد أكثر من 50 عاما اختناقات في نابلس بعد اقتحام قوات الاحتلال
أخر الأخبار

الاستعلاء التكنوقراطي والحاجة إلى السياسة

الاستعلاء التكنوقراطي والحاجة إلى السياسة

 العرب اليوم -

الاستعلاء التكنوقراطي والحاجة إلى السياسة

بقلم : نديم قطيش

يصوّر الاستعلاء التكنوقراطي السياسة على أنها عمل بدائي، عاطفي، وغير عقلاني، عالق في دوامة الصراعات والمصالح الشخصية. ويروّج التكنوقراطيون، أي كهنة نظام الحكم القائم على الخبرة التقنية والحلول المدفوعة بالبيانات والنماذج الحسابية لفكرة أن الحلول العقلانية الصرفة، قادرة على تجاوز «فوضى» السياسة وترويض صراعاتها وقيادة المجتمعات نحو التقدم بكفاءة ومن دون ضجيج.

منذ الثورة الصناعية وصولاً إلى الطفرة العلمية ما بعد الحرب العالمية الثانية، تجذّر هذا الاستعلاء التكنوقراطي تجاه السياسة، وبرز التكنوقراطيون لاعبين أساسيين في تشكيل الحوكمة الحديثة عبر الحلول العقلانية، في مقابل تصوير المجال السياسي عائقاً يعطّل التقدم.

أما الأسس الفكرية لهذا الاستعلاء، فتعود إلى العقلانية في عصر التنوير والفلسفات الوضعية التي رفعت من شأن العلم التجريبي مصدراً أعلى للحقيقة، في مقابل علوم اللاهوت، وهمّشت السياسة بوصفها مجالاً للانفعالات والصراعات الذاتية. ومع صعود نظريات الأنظمة (Systems Theories)، وتحوّل الاقتصاد علماً رياضياً، وظهور الإدارة الحديثة، ترسخت فكرة أن المجتمعات تمكن إدارتها كأنظمة ميكانيكية، قابلة للقياس والتحليل من خلال المؤشرات والأرقام. على الصعيد المؤسسي، ساهمت العولمة وتوسّع البيروقراطيات والمنظمات العابرة للحدود في تمكين النخب التكنوقراطية وإضعاف الأصوات السياسية والسياقات المحلية.

فمن فشل الخطط الخمسية الجامدة التي اعتمدها الاتحاد السوفياتي، وصولاً إلى نبوءات الخبراء الاقتصاديين وبياناتهم التي ما حالت دون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، يمتلئ التاريخ بأمثلةٍ تبيّن محدودية الاعتماد على المنطق التكنوقراطي وحده، أكان لناحية التخطيط المستقبلي أو لناحية تحليل الواقع الراهن.

في المثال الأخير، استند كثيرٌ من دعاة البقاء في الاتحاد الأوروبي إلى التوقعات الاقتصادية للخبراء، معتقدين أن الحجج العقلانية بشأن سوق العمل وتحرير حركة الأفراد والسلع، ستقنع الرأي العام بالبقاء. غير أنّ موجةً من المشاعر القومية وخليطاً من العوامل الثقافية والإنسانية التي تشكّل القلب النابض للقرارات السياسية والاجتماعية، بالإضافة إلى انعدام الثقة بـ«النخب»، كانت أقوى من كل الحسابات الرقمية.

الثابت إذن في ضوء تجربة «بريكست» أن تأطير التحديات المجتمعية كقضايا تقنية بحتة، والإيغال في تهميش الطبيعة السياسية للحوكمة، والتقليل من أهمية التوفيق بين المصالح والقيم والهويات المتعارضة، تفاقم استنفار العواطف والآيديولوجيات والصراعات، بدلاً من أن تهدئ منها. وما صعود اليمين السياسي في العالم اليوم، في جانب من جوانبه الأساسية، إلا ردة فعل على مسار تاريخي هيمنت فيه التكنوقراطية على السياسة التقليدية، وهمَّشت نخبُها الهويات الثقافية والمحلية لصالح ما عدّته حلولاً «عقلانية» قائمة على البيانات والخبرة التقنية. خلق هذا المسار، المرتبط بالعولمة وبروز المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، شعوراً بالاغتراب لدى شعوب كثيرة رأت في هذه السياسات تجاهلاً لاحتياجاتها وهوياتها، وأوقعها في شباك الخطاب اليميني الشعبوي والقومي. وأحيت هذه الردة الهويات الثقافية والدينية تحت ستار الدفاع عن السيادة الوطنية في ظل اختلال خطير في التوازن بين الكفاءة التقنية للإدارة والشرعية الشعبية للسياسات المقترحة.

لا ينحصر العطل المعرفي الأساسي في العقل التكنوقراطي في أي نقص محتمل في البيانات أو في محدودية الخبرة، بل يكمن في العجز المتأصّل عن استيعاب الطبيعة المعقّدة للسلوك البشري وتركيبة المجتمعات. فسلوك البشر يتشكّل بفعل منظومةٍ متداخلة من المعتقدات والقيم والعوامل الثقافية؛ ما يجعل قياسه أو التنبؤ به بدقة بالغة أو تفادي تبعاته بيقين كامل أمراً شبه مستحيل. إذّاك، غالباً ما يجد التكنوقراطي نفسه أمام ظواهر لا تطيق الاختزال إلى أرقام ولا تنقاد لمنطقٍ صارم.

وعليه، فإن إعادة الاعتبار إلى السياسة عندنا ليست ترفاً، بل ضرورة تفرضها الظروف السياسية والأمنية والاقتصادية المعقّدة وتداخل مراكز التأثير في الشرق الأوسط.

والحال، تظلّ السياسة هي الأفق الأوسع الذي يجمع تحت مظلّته المصالح المتعددة والهواجس المتناقضة والتوترات التاريخية والاختلافات الثقافية والاعتبارات الاستراتيجية، التي لا يمكن اختزالُها في معادلاتٍ رقمية أو مؤشرات أداءٍ لقياس النجاح والفشل.

وإذ تبرز الحاجة الماسة إلى آليات الحوار الوطني، واستقطاب قطاعات الاقتصاد والمجتمع المدني والنخب الثقافية، في سوريا ولبنان والعراق والسودان واليمن وغيرها؛ بهدف بلورة رؤى مشتركة تتجاوز الأطر القطاعية الضيقة، تبرز الحاجة إلى تعزيز دور السياسة بهدف تفعيل عملية تفاوضٍ مستمرة بين مختلف الأطراف الفاعلة في هذه الدول، والدفع نحو بناء توافقاتٍ أكثر مرونةً وشرعيةً.

لا استقرار بلا احتضانٍ للسياسة وترسيخ ثقافةٍ سياسية تسمح باستيعاب المتغيّرات الإقليمية والدولية، وتمهّد لنقل دولنا من مجرّد «إدارة أو استثمار للأزمات» إلى «قيادة للتحوّلات» وصناعة الغد المستدام.

 

arabstoday

GMT 05:57 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

هل سيكفّ الحوثي عن تهديد الملاحة؟

GMT 05:56 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

برّاج في البيت الأبيض

GMT 05:54 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

المخرج الكوري والسعودية: الكرام إذا أيسروا... ذكروا

GMT 05:50 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

مخاطر مخلفات الحروب

GMT 05:48 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

ماذا عن التشكّلات الفكرية للتحولات السياسية؟

GMT 05:47 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

أسعار النفط تحت تأثيرات التطورات الجيوسياسية

GMT 05:45 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

إعادة الاعتبار للمقاومة السلمية

GMT 05:41 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

النضج العربى وأمريكا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاستعلاء التكنوقراطي والحاجة إلى السياسة الاستعلاء التكنوقراطي والحاجة إلى السياسة



أحلام بإطلالات ناعمة وراقية في المملكة العربية السعودية

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 11:30 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

عشبة القمح تعزز جهاز المناعة وتساهم في منع السرطان
 العرب اليوم - عشبة القمح تعزز جهاز المناعة وتساهم في منع السرطان

GMT 13:20 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

كريم عبد العزيز يتّخذ قراره الأول في العام الجديد
 العرب اليوم - كريم عبد العزيز يتّخذ قراره الأول في العام الجديد

GMT 09:03 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

دور مصر الطبيعى!

GMT 09:11 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

الشرق الأوسط بين إرث بايدن وتأثير الترمبية

GMT 11:30 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

عشبة القمح تعزز جهاز المناعة وتساهم في منع السرطان

GMT 08:53 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

اليوم التالي.. الآن!

GMT 08:47 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

جائزة هنا.. وخسارة هناك

GMT 03:51 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

اختناقات في نابلس بعد اقتحام قوات الاحتلال

GMT 03:31 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

إصابة 3 فلسطينيين في اعتداءات إسرائيلية شرق قلقيلية

GMT 09:54 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

أحمد السقا يكشف سبب تقديم "العتاولة 2"

GMT 03:28 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

الصحة العالمية تؤكد أن إعادة بناء النظام الصحي لغزة مُعقد

GMT 14:02 2025 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

تركي آل الشيخ يعلق لأول مرة على حفل أنتوني هوبكنز

GMT 10:40 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

تطوير أدوية مضادة للفيروسات باستخدام مستخلصات من الفطر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab