أوروبا والناتو إشكالية «القطب الثالث»

أوروبا والناتو... إشكالية «القطب الثالث»

أوروبا والناتو... إشكالية «القطب الثالث»

 العرب اليوم -

أوروبا والناتو إشكالية «القطب الثالث»

إميل أمين
بقلم - إميل أمين

مع الخلافات المتصاعدة بين فرنسا وألمانيا، جراء خطة الدفاع الجوي الأوروبية، والتي تقودها ألمانيا، المعروفة باسم «سكاي شيلد»، ومن قبلها تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن وضع أوروبا بين الصين وأميركا وإشكالية جزيرة تايوان، هل يمكننا التساؤل عن مدى متانة العلاقة بين الناتو وأوروبا، ومستقبل التعاون بين الجانبين، وبخاصة في ظل الأزمة الأوكرانية المتفاقمة؟

عند الكثير من المراقبين للمشهد الأميركي - الأوروبي، أن هناك تماثلاً كبيراً وواضحاً بين أوضاع الساحة السياسية العالمية في الوقت الحاضر، وما كانت عليه في ستينات القرن الماضي، ما دعا وقتها الزعيم الفرنسي الأشهر شارل ديغول إلى سحب أسطول فرنسا الحربي من قيادة «الناتو»، مع انتقادات حادة وجهها وقتها لتصرفات أميركا في فيتنام.

يبدو اليوم، بصورة أو أخرى شبيهاً بأمس، رغم اختلاف الأطر الجيوسياسية، إذ يطفو ماكرون على السطح من جديد، مذكراً الفرنسيين أولاً، وبقية الأوروبيين تالياً، بالقومية الأوروبية، والتي تعاني من الفوقية الأميركية، التي تشن الحروب وتقوم بالغزوات من جهة، وتسعى للهيمنة على مقدرات الكوكب الأزرق من جهة أخرى.

مثير أمر العلاقات الأوروبية مع الناتو، فقد كادت «الجماهير الغفيرة»، تعلن موت «حلف الأطلسي سريرياً»، لا سيما في زمن إدارة ترمب، وبخاصة جراء مطالبته الدول الأوروبية بمساهمات مالية تصل إلى 2 في المائة من الناتج القومي الإجمالي لكل دولة على حدة.

دفع الموقف الأميركي في نهاية العقد الثاني من القرن الحالي الأوروبيين، وفي مقدمهم فرنسا إلى التفكير بشكل مستقل، وحدا الأمر بالرئيس ماكرون أن يعلن في نوفمبر (تشرين الثاني) عن رغبته في إنشاء جيش أوروبي موحد؛ للدفاع عن القارة الأوروبية، والتي قد تضطر لمواجهة قوى مثل روسيا والصين.

تصريحات ماكرون جاءت عبر إذاعة «أوروبا 1»، وبانت فيها جلياً رغبة الفرنسيين في الحد من الاعتماد على القوة الأميركية، أو ما أسماه «القوة المتسلطة المحبة للظهور».

لعبت المقادير لعبتها، وقدم القيصر بوتين للناتو برأس حربته الأميركية خصوصاً، فرصة ذهبية للإحياء ثانية عبر العملية العسكرية في أوكرانيا.

قدم الأوروبيون الكثير لدعم أوكرانيا، عسكرياً وسياسياً، غير أنه يتكشّف لهم يوماً تلو آخر، أن هزيمة قوة نووية تمتلك أكبر ترسانة صاروخية محملة برؤوس الموت والدمار أمر مستحيل.

هل بدأت الخلافات تدب بين الأوروبيين على خلفية إعادة قراءة المشهد الجيوبولتيكي العالمي بأعين مغايرة عن النظرة السابقة التي جرت في فبراير (شباط) من عام 2022؟

باختصار غير مخل، يبدو أن التفكك الأوروبي أقرب ما يكون من الوحدة، وذلك لأن فرنسا تمضي في اتجاه الخلاص من الإرث الأميركي الذي طال منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كما نجد ألمانيا قلب أوروبا الاقتصادي تمضي من جديد في اتجاه أقرب ما يكون لشهوات قلب واشنطن، والدليل على صدقية الكلام، الاستراتيجية الألمانية القومية الجديدة، المتماهية إلى حد التطابق مع نظيرتها الأميركية الصادرة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

تبدو في ثنايا عقل ماكرون وحنايا أضلعه، رغبة وشوق قديمان يعودان إلى مؤسس الجمهورية الفرنسية الخامسة، أي إحياء النهج «الأوراسي»، ذاك الذي يجمع أوروبا وآسيا معاً.

لكن ألمانيا - أولاف شولتز، تجعل من الصين وروسيا العدوين الكبيرين والظاهرين لأوروبا، والمسببتين لحالة عدم الاستقرار السياسي والأمني حول العالم.

ينظر الفرنسيون اليوم بقيادة ماكرون إلى أوروبا بأنها تكاد تجد ذاتها محشورة ومحصورة بين مطرقة أميركا وسندان روسيا والصين. ولا تتوقف مخاوف الفرنسيين عند حدود الأزمة الأوكرانية، بل تتجاوزها بنظرة استشرافية إلى ما هو مقلق وقادم، كما الحال مع الصراع الأميركي - الصيني، وتحديداً انطلاقاً من ملف تايوان.

لم يعد سراً أن زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الأسبوع الماضي، إلى الصين، لم تنجح في تغيير المصير الصدامي المتوقع، فيما جاءت تصريحات بايدن ووصفه رئيس الصين شين جينبينغ بـ«الديكتاتور»، لتؤجج نقاط الفراق، وتباعد رؤى الاتفاق.

ماكرون في القلب من أوروبا، يخشى من أن تدفع القارة العجوز من جديد، أكلاف صراع أميركي - صيني، ولهذا يدعو لأن تكون أوروبا «قطباً ثالثاً»، لا يتبع أميركا ولا الصين، بل يمضي وراء استراتيجية مستقلة، تجنباً للفخ المنصوب للأوروبيين.

تبدو فرنسا ومعها دول أوروبية عدة، في مرحلة تقييم «الخسائر والأرباح»، لموقفها من روسيا، بعد حربها مع أوكرانيا، وكيف أن دعم أوكرانيا التي تعتبرها واشنطن خنجراً في خاصرة روسيا، كلف الأوروبيين عالياً وغالياً، ولهذا، يتحسب الأوروبيون من تكرار الخطأ في حال المقارعة بين واشنطن وبكين، والتي تتزايد فرص حدوثها يوماً تلو الآخر، بل إن هناك من يقطع بأن العام المقبل قد يكون موعد الفخ المنصوب للقطبين الكبيرين، لا سيما مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في تايوان.

تأتي مبادرة «سكاي شيلد» الألمانية لتعمق الخلافات في الداخل الأوروبي، وبين الأوروبيين أنفسهم، إذ تبدو فرنسا وإيطاليا وبولندا في جانب، وألمانيا في جانب آخر. فالقسم الأول يغلب فكرة الصناعات العسكرية الوطنية، وبعيداً عن التبعية للولايات المتحدة الأميركية، في حين أشباح الماضي، وهواجس الحرب العالمية الثانية، تلك التي تؤججها واشنطن صباح مساء كل يوم، تجعل من الصحوة العسكرية الألمانية نقطة ارتكاز لقوة الناتو العسكرية، يتم من خلالها القفز إلى محطات قتال تالية، وقد تكون الصين التالية ضمن استراتيجية «القرن الأميركي»، التي لم تغب عن أعين صناع القرار الحقيقيين في الداخل الأميركي، وبعيداً عن هوية أو حزبية ساكن البيت الأبيض.

هل أوروبا قادرة على بلورة رؤية «القطب الثالث» بعيداً عن أميركا؟

الحقيقة أن الفرنسيين لم يخفوا يوماً طموحاتهم الخاصة بالسيطرة على أوروبا، وقد كانوا تقليدياً أكثر صخباً في خطاباتهم المعادية لأميركا، بينما الألمان الذين هم في الواقع سادة أوروبا الحقيقيون، كانوا أكثر حذراً مفضلين حقيقة القوة على التفاخر الفارغ.

الخلاصة... الناتو في زمن انعطافة مصيرية تغلفها قلاقل الحاضر وضبابية المستقبل.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوروبا والناتو إشكالية «القطب الثالث» أوروبا والناتو إشكالية «القطب الثالث»



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 19:56 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
 العرب اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا
 العرب اليوم - روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية
 العرب اليوم - عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة
 العرب اليوم - ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم
 العرب اليوم - القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 22:55 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تتجه نحو اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 21:25 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

هوكشتاين يُهدّد بالانسحاب من الوساطة بين إسرائيل ولبنان

GMT 10:02 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

اثنان فيتو ضد العرب!

GMT 11:05 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد صلاح يعبر عن استيائه من إدارة ليفربول ويقترب من الرحيل

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 17:19 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رامي صبري يكشف سبب شهره تووليت

GMT 17:21 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

عمرو سعد يكشف سبب ابتعاده عن الإعلام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab