بقلم - إميل أمين
جاء إعلان مبادرة السعودية الخضراء، الأيام القليلة الماضية، عن عمل مدينة أوكساجون بالكامل بواسطة الطاقة النظيفة، واعتبارها مركزاً لمشاريع الطاقة الشمسية الكهروضوئية والهيدروجين الأخضر، فضلاً عن طاقة الرياح المدعومة ببطاريات التخزين، ليؤكد مشاهد يقظة السعودية الماضية قدماً في طريق رؤية 2030، الساعية لوضع المملكة على مسارات الاقتصادات الكبرى حول العالم، من خلال أفكار الإبداع، والخروج من دائرة التقليد إلى رحابة التجديد.
تعد مدينة نيوم الصناعية «أوكساجون»، أكبر تجمع صناعي عائم في العالم، وتم الإعلان عنها رسمياً في 16 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، ويتوقع أن تبدأ في استقبال رواد التصنيع والمستثمرين وأصحاب الأعمال بداية هذا العام، وهو ما جرت به المقادير بالفعل.
تبدو قصة نيوم برمتها، وأوكساجون في القلب منها، ضرباً من ضروب الحلم القابل للتحقق، لا سيما إذا كانت من ورائه عقول تفكر برؤى استشرافية تتجاوز الواقع إلى المستقبل، وتتماهى مع متطلبات العصر وحاجات الإنسانية في قادم الأيام.
نيوم ومن جديد هي حجر الزاوية الجديد والأكيد، وجوهرة التاج في سردية المملكة الجديدة، بل وأكثر من ذلك يمكن القول إنها رمز لقدرة السعودية على التطور والخروج من دائرة الاعتماد على الاقتصاد الريعي المباشر لعائدات النفط، وصولاً إلى تنويعة خلاقة من البدائل الاقتصادية الطاقوية، وفي مقدمتها مشروعات الطاقة النظيفة والخالية من الكربون.
تقود السعودية اليوم عبر العديد من المشروعات الإيكولوجية، مسيرة شرق أوسطية وخليجية، ضمن الجهود البشرية الساعية لاستنقاذ كوكب الأرض، من وهدة التغيرات المناخية وتبعاتها القاتلة.
تبدو نيوم رمزاً لمدن المستقبل صديقة البيئة، وهي التي تتسع لمليون شخص، على مساحة 26050 كيلومتراً مربعاً، وتمتد بين ثلاث دول؛ السعودية ومصر والأردن، ما يجعل منها محوراً جيوسياسياً ورمزاً لسياسات الوفاق والتعاون العربي المشترك.
يوماً تلو آخر تبدو أوكساجون، قصة رائدة في عالم محايد وخالٍ من الكربون، لا سيما أنها تحتضن أكبر مشروعات الهيدروجين الأخضر في العالم، وليس في المنطقة فحسب، مشروعات قامت بالشراكة مع كبريات الشركات العالمية الساعية في هذا الإطار ومنها شركة «أكواباور»، و«إيروبروتكتس آند كيميكالز»، الأميركيتان.
يتساءل القارئ غير المتخصص... ما هو الهيدروجين الأخضر أول الأمر، وما الهدف من مدينة أوكساجون تالياً؟
باختصار غير مُخل، يمكن القول إنه مصدر جديد من مصادر الطاقة النظيفة للغاية، وكل ما يحتاجه الأمر لإنتاجه، كميات كبيرة من المياه، التي تتوافر بكثرة حول نيوم في البحر الأحمر، ومحلل كهربائي كبير، وإمدادات وفيرة من الكهرباء.
الجزء الإبداعي في نيوم، هو أنها تتمتع بمصدري طاقة متجددة من الرياح والطاقة الشمسية اللتين تولدان الكهرباء بكميات كبيرة، ما يجعل عملية إنتاج الهيدروجين الأخضر اقتصادية وفعالة.
أفضل ما يقدمه الهيدروجين الأخضر لعموم البشرية في الوقت الراهن، هو القضاء على الانبعاثات الكربونية، وبذلك يسهم في دفع عربة الإطفاء السائرة في طريق مجابهة ومواجهة حروب الطبيعة المتمثلة في أكثر من شكل في بقاع وأصقاع العالم.
وعلى صعيد المملكة يفتح دروب الأمل لعصر ما بعد الطاقة الأحفورية، وليس سراً القول إن السعودية تخطط لتكون واحدة من أكبر الدول المصدرة للهيدروجين، وتطمح لإنتاج 4 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر والأزرق بحلول عام 2030.
لا يتوقف المشهد السعودي عند حدود الأمل والحلم، بل ينحو كل صباح جديد إلى دائرة العمل والواقع، ولهذا فقد وقعت المملكة في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي مذكرات تفاهم مع عدد من الشركاء لتنفيذ مشروعات تجريبية حول استخدام الهيدروجين الأخضر في عدد من مدن المملكة.
مسيرة التعاون السعودي مع الأمم ذات الخبرات الناجعة، تتجلى في السماوات الدولية في الأعوام وبل الأشهر والأسابيع الأخيرة، وربما لن تكون آخرها تلك الزيارة ذات المستوى الفارق الأهمية لرئيس كوريا الجنوبية والوفد المرافق له مؤخراً إلى المملكة.
خلال الزيارة وقع صندوق الاستثمارات العامة السعودي مذكرة تفاهم مع عدد من شركات كوريا الجنوبية، تلك الدولة التي تبهر العالم في العقود الأخيرة بمنتوجاتها وصناعاتها، عطفاً على معدلات تنميتها، مذكرة هدفها تطوير مشروع جديد لإنتاج الهيدروجين الأخضر في نيوم وما حولها، الأمر الذي يفيد بأن التعاون السعودي بات يعي جيداً تنويع العلاقات والشراكات مع المراكز والتخوم الدولية، ومن دون الاعتماد على تحالفات بذاتها مرة وإلى الأبد.
تبدو السوق السعودية لإنتاج الهيدروجين الأخضر واعدة، وهذا ما أشار إليه، فريدريك كلاوكس، المدير المسؤول في شركة «إنجي» الفرنسية، التي تشارك في مسيرة مشروعات الهيدروجين الأخضر في نيوم، والذي أشار إلى أن هناك متسعاً في السعودية للاعبين آخرين لتطوير مشروعات إضافية.
الخلاصة... قطاع الطاقة السعودي الإبداعي بأفكاره يعجل بإدراك مستهدفات رؤية 2030 لخير الأجيال السعودية القائمة والقادمة.