بقلم - إميل أمين
هل باتت الملاحة في منطقة الخليج العربي قولاً وفعلاً في خطر قائم وقادم، جاثم وداهم دفعة واحدة، لا سيما بعد أحداث الأيام الماضية من هجوم مباشر على ناقلات للنفط، ومقتل البعض على متنها، ثم محاولة اختطاف سفينة أخرى في سيناريو عبثي، وربما هناك أحداث أخرى غير معلن عنها، وسيناريوهات مستقبلية تجعل من الملاحة في منطقة الخليج العربي منطقة أزمة عالمية تؤثر على مسارات ومساقات الاقتصاد العالمي؟
من دون أدنى شك، تبدو سماوات الخليج العربي ملبّدة بغيوم كثيفة، وما قامت وتقوم به إيران، من اعتبار ممر الملاحة الدولي ورقة للتفاوض في مشارعتها ومنازعتها مع الغرب، أمر خطير وكفيل بأن يعيد ذكريات عملية «براينغ مانتيس»، في نهاية الثمانينات مرة أخرى، حيث بلغ الصبر الأميركي وقتها نهايته، وأهلكت واشنطن قرابة نصف الأسطول الإيراني، وقد يتحول المشهد هذه المرة إلى ما هو أشد وأقسى، لا سيما أن هناك أطرافاً أخرى تنتوي الانتقام، وفي المقدمة منها بريطانيا وإسرائيل، وهو ما لمح إليه المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، خلال مؤتمر صحافي نهار الثلاثاء الماضي، حين قال «نتشاور مع حكومات بلدان المنطقة وخارجها حول الرد المناسب، وهذا الرد قادم».
تبدو بدايات الرئيس الإيراني الجديد، إبراهيم رئيسي، أسوأ شكلاً وموضوعاً من زمن سابقه روحاني، وقد استهل ولايته بتصريحات تبين أنه تابع أمين، ومخلص وفيّ، للمرشد خامنئي، مع كل ما يحمله الأخير من رموز للغطرسة والراديكالية المميتة.
يعنّ للمرء أن يتساءل «هل نوايا إيران تجاه الملاحة في الخليج العربي جديدة، أم أن تاريخها في إرهاب وتهديد المنطقة بأكملها قديم؟».
قبل ثلاثة أعوام، وتحديداً في يوليو (تموز) من عام 2018 أطلق الرئيس الإيراني السابق، حسن روحاني، تصريحات مباشرة، أشار فيها إلى أن بلاده يمكنها أن تغلق مضيق هرمز أمام الملاحة الدولية، رداً على العقوبات التي تفرضها واشنطن على طهران، ومحاولات حظر صادرات إيران النفطية.
المضيق الذي يبلغ عرضه 50 كيلومتراً، وعمق المياه فيه 60 متراً، هو شريان رئيسي للملاحة الدولية، ولصناعة الطاقة حول العالم؛ ذلك أن نحو 40 في المائة من الإنتاج العالمي من النفط يمر من خلاله، ويستوعب من 20 إلى 30 ناقلة نفط يومياً، وتصدر منه المملكة العربية السعودية قرابة 88 في المائة من إنتاجها النفطي، والعراق 98 في المائة، والإمارات العربية المتحدة 99 في المائة، وكل نفط إيران والكويت وقطر.
تظهر طهران وكأنها تشنّ حرب استنزاف من خلال موقعها وموضعها، تضرب القاعدة الرخوة للتجارة وتستهدف الأبرياء، وكأن رسالتها للبحارة وأفراد الطواقم، هي أننا لن نوفر استهدافكم، انتقاماً من حكوماتكم.
ما تحاول إيران اليوم في واقع الحال فعله هو رسم خط أحمر في الخليج العربي، تستخدم فيه الطائرات من دون طيار والأسلحة، مثل الألغام والقوارب السريعة للحرس الثوري؛ لتهديد السفن التجارية، وهي ما انفكت تفعله على مدى سنوات طويلة خلت.
الملاحة العالمية، وأسواق الطاقة في حقيقة الأمر أمام خطر مزدوج، وفي توقيت سيئ للغاية على أكثر من صعيد؛ ما يجعل من المعضلة أزمة دولية.
أما بالنسبة لعامل التوقيت، فهناك الشتاء القارس على الأبواب، وهيئات الأرصاد الجوية العالمية تتحدث عن شتاء لم تعرفه البشرية منذ عقود طوال؛ ما يعني الحاجة الماسة إلى إمدادات النفط من غير أي عوائق أو موانع.
من ناحية ثانية، فإن الأعاصير والحرائق وأجواء المناخ السيئة في أوروبا والولايات المتحدة، قد قللت من المخزون الاحتياطي، وعليه تطفو على السطح ظاهرة عطش الأسواق من جديد لنفط الخليج، ودع عنك كل أحاديث النفط الصخري وما شابه، والذي يحتاج إلى عقود طويلة حتى يضحى بديلاً تجارياً فاعلاً ومؤثراً في الأسواق الدولية.
الخطر الآخر هو أن طهران باتت تتلاعب بوكلاء حربها في المنطقة لتعطيل حركة الملاحة الدولية في الخليج العربي، وهذا ما نبّه إليه وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، خلال مشاركته في منتدى أسبن الأمني مؤخراً، فقد أكد أن إيران فاعل سلبي في المنطقة بتزويدها الحوثيين بالأسلحة لتهديد الملاحة.
بصمات طهران عبر الحوثيين واضحة للعيان؛ فقبل عام وفي أغسطس (آب) من العالم الماضي حاولت تلك الميليشيات استهداف سفينة تجارية تابعة للمملكة العربية السعودية جنوب البحر الأحمر بطائرة مسيّرة مفخخة، قبل أن تعترضها الدفاعات الجوية لقوات التحالف.
ثم ماذا بعد، فهل ستترك طهران على هذا النحو المهدد لوضع الاقتصاد العالمي من جهة، وتهديد الأمن والاستقرار العالميين من جهة ثانية؟
تصريحات الوزير فيصل بن فرحان تقطع بأن المملكة تعمل بجهود دؤوبة من أجل ملاقاة الخطر القادم وقبل أن يستفحل، وذلك من خلال التنسيق مع الشركاء الدوليين، وفي المقدمة منهم الولايات المتحدة، ومن قبل كان الجنرال كينيث ماكينزي، قائد القيادة المركزية الأميركية، قد ثمّن في 2019 قرار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، بالانضمام إلى مجموعة الأمن البحري الدولي، وفي القيام بدور نشط في الحفاظ على حرية الملاحة وتعزيز الأمن البحري وتخفيف التوترات الإقليمية.
وقت كتابة هذه السطور كانت الأنباء المتواترة تقول بأنه ربما خلال نهاية الأسبوع سيشهد العالم رداً قاسياً على إيران، ووقت ظهور السطور للنور، ربما يكون المشهد قد انفتح على نوافذ ساخنة تزيد المشهد الخليجي التهاباً.
غير أنه وفي كل الأحوال، تبقى حرية الملاحة في الخليج العربي إشكالية دولية تتطلب حلاً دولياً، لضمان سلامة الممرات البحرية والاقتصاد العالمي، من الإرهاب الإيراني.