بقلم - إميل أمين
تبقى العلاقات السعودية - الأميركية منذ زمن لقاء الطراد كوينسي في مياه البحيرات المرة على قناة السويس، بين الملك المؤسس عبد العزيز بن سعود، والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، بمثابة شراكة استراتيجية استمرت لنحو سبعة عقود، ومرشحة للمضيّ قدماً لعقود قادمة، وليس شرطاً أن تتطابق المواقف إلى حد التماهي، لكن يظل الوصل والتواصل، مستقراً ومستمراً، ضمن خطوط طول وعرض عميق وضاربة الجذور.
جاءت الزيارة الأخيرة لنائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، لتؤكد أبعاد تلك العلاقة وأهميتها، لا سيما في هذه الأوقات القلقة والمضطربة، وحيث السعودية تعد حجر أساس وركيزة رئيسية في استقرار المنطقة.
لقاءات الأمير خالد بن سلمان، مع مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، ووزير الدفاع الجنرال لويد أوستن، عطفاً على وزير الخارجية أنتوني بلينكن، جميعها أكدت نظرة الولايات المتحدة للسعودية بوصفها شريكاً استراتيجياً قادراً على التفاعل الخلاق، بهدف استعادة النفوذ القوي المستقر في الخليج العربي، وهو ما أشار إليه السفير الأميركي الأسبق في السعودية، تشاس فريمن جونيور، قبل بضعة أيام.
حين يكتب وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن على «تويتر» قائلاً إنه يشاطر السعودية قلقها من بعض القوى الإقليمية المزعزعة للاستقرار، وإنه يرحب بجهود المملكة البناءة في دفع الهدنة الحالية في اليمن، فإن ذلك ترجمة حقيقية لفكرة الشراكة الاستراتيجية.
طوال سبعة عقود ونيف جرت المقادير بلقاءات بين المسؤولين الأميركيين والسعوديين، في أوقات السلم والحرب، وفي أزمنة الرخاء الاقتصادي وحين تدلهمّ الخطوب، والآن تبدو هذه اللقاءات فرض عين من أجل متابعة التحولات الكبيرة الحادثة بسبب التوترات الأخيرة عالمياً.
ليس سراً القول إنه هناك وضمن إدارة الرئيس بايدن، وبالتحديد الحلقة الضيقة من حوله، الكثير من الذين يعرفون ويقدّرون قيمة وأهمية المملكة العربية السعودية أدبياً وأخلاقياً، إنسانياً ووجدانياً، عقائدياً وإيمانياً، قبل النظر إليها بوصفها أكبر منتج للنفط الخام في العالم.
في هذا الإطار تبدو أهمية المملكة كركيزة جغرافية وديموغرافية، وتبدو واضحة قدرتها على لعب دور محوري في أوقات السيولة الجيوستراتيجية الأممية، كما الحال في الوقت الراهن.
في الوقت ذاته ترى المملكة أن الولايات المتحدة قوة عظمى، لعبت ولا تزال منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أدواراً تقدمية أممية، كما أسهمت بحضورها العسكري في إحداث توازنات سياسية وعسكرية، ولا تزال قادرة على لعب دور مهم وفاعل، ولا يعني ضبط العلاقات مع أطراف قطبية صاعدة أخرى، أنه أمر يختصم بالضرورة من رصيد الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة.
في تصريح أخير له يدلل على أهمية تفهم وزارة الدفاع الأميركية دور المملكة العربية السعودية كصمام أمان في الخليج العربي وبالقرب من البحر الأحمر، والمضايق الدولية، يقول المتحدث باسم البنتاغون الرائد روب لودويك، إن التعاون الدفاعي مع المملكة ماضٍ قدماً، وصفقات الأسلحة والتدريبات والتبادلات مستمرة، والبنتاغون لا تزال ملتزمة بالمساعدة في تعزيز أمن السعودية ضد التهديدات الخارجية الخطيرة.
يتسم الجنرالات في الداخل الأميركي برؤية واقعية، يمكننا أن نطلق عليها نرجسية مستنيرة، أو براغماتية إيجابية، من خلالها يقدّرون أدوار الأمم ومكاناتها، ومدى ارتباط ذلك بالمصالح الاستراتيجية الأميركية في الحل والترحال، وفي الحال والاستقبال.
يوماً تلو الآخر يتضح للأميركيين، من النخبة والعوام، أن المملكة العربية السعودية صديق موثوق، وصادق عبر العقود، وقد كانت المملكة ولا تزال شريكاً تقدمياً في مكافحة الشطط الفكري، والإرهاب المعنوي، ذاك الذي لا ينفك يضحى مادياً.
عطفاً على ذلك تبدو السعودية الحليف الأرفع والأنفع أبداً ودوماً، ويرسخ في ذهن الأميركيين أن البعض الذين يراهنون على تسويف آخرين وتلاعبهم بإدارة بايدن، أمر سيزيد من خسارة واشنطن ومكانتها حول العالم، وعلى غير المصدِّق أن يتابع الأصوات التي تعلو يوماً تلو الآخر في الكونغرس ضد تجديد اتفاقية نووية بعينها.
ثم خذ إليك ما جادت به الأقدار عن دور المملكة الرئيسي في حفظ استقرار أسواق الطاقة حول العالم، فعلى الرغم من أنها لم تتسبب في حالة الارتباك والمسؤولة عنها روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا، فإن الرياض لم تألُ جهداً في التواصل البناء والخلاق مع أعضاء «أوبك»، لضمان أسواق آمنة مستقرة، ومراعاة مصالح الدول المنتجة في هذه الأوقات الصعبة.
حين يهتم مجلس العلاقات الخارجية الأميركي في نيويورك، الجهة التي تدعم وتزخم عملية صناعة القرار السياسي الخارجي للبيت الأبيض، بخصوصية العلاقة السعودية - الأميركية، ويصدر الأيام القليلة الماضية تقرير يشدد على ضرورة مواصلة تلك الشراكة الاستراتيجية، بهدف حل الكثير من أزمات العالم الراهنة، وحين يكون كاتب التقرير مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق، مارتن إنديك، الدبلوماسي المخضرم، فإن ذلك يعني شيئاً واحداً... السعودية مستقبلها أمامها لا سيما في ظل الرؤية التنويرية 2030 والتي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.