بقلم - إميل أمين
تحتاج أحداث الأيام القليلة الماضية في أفغانستان التوقف أمامها طويلاً، والتساؤل عما جرى، وما بين التفسيرات الظاهرة للعيان، والمتوارية وراء الأكمة، يزداد غموض الموقف، بعدما تمكنت طالبان من بسط نفوذها على الدولة الأفغانية، كواقع حال، وتركت للمراقبين، ضرب أخماس بأسداس لجهة الاستقبال.
التساؤلات أول الأمر محيرة، فكيف للمرء أن يفسر قوة طالبان، وهشاشة حكومة الأفغان الموالية للولايات المتحدة؟
وبحال التحديد والتخصيص، يتطلع الجميع إلى حالة التفكك والانهيار التي انتابت جيش قوامه 300 ألف جندي نظامي، أنفقت عليه الولايات المتحدة، مليارات الدولارات طوال عقدين من الزمن، اعتقاداً منها أن ذلك سيمكن الحكومة الأفغانية من الاعتماد على نفسها، ما يسمح لأعضاء حلف شمال الأطلسي من الانسحاب نهائياً.
يكاد المرء يوقن بأن في المشهد ملمحاً وملمساً من حديث الثنائية الأميركية المتضادة تقليدياً، فواشنطن التي تكبدت بضعة آلاف من القتلى، وعدة تريليونات من الدولارات، هي من تبدو كأنها تخلت عن الجيش الأفغاني، بل وربما قدمته على طبق من ذهب لطالبان.
هل هذا سيناريو تخيلي غير واقعي، يدخلنا في دائرة أصحاب التفكير التآمري للتاريخ؟
عند العقيد، إدريس عطاي، القائد في الجيش الأفغاني أنه لم تكن للولايات المتحدة استراتيجية للحرب ضد طالبان، بل أبعد من ذلك؛ إذ أسيء استخدام القوات الأفغانية خلال السنوات الماضية، وتم تعيين من لا يستحقون في مناصب قيادية، ولهذا وصل الأمر إلى هذه الفوضى.
وقعت واشنطن في فخ تكافؤ الأضداد في روحها مرة جديدة، والمثير أن من خطط لذلك إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب أولاً وتالياً الإدارة الأميركية الحالية.
الذين تابعوا الكثير من وسائل الإعلام الأميركية، أدركوا أن هناك ضرباً من التخاذل والتهاون حدث تجاه الجيش الأفغاني، وهذا ما توقفت أمامه صحيفة «نيويورك تايمز»، فقد أشارت إلى أن الفساد الذي استشرى في المؤسسة العسكرية الأفغانية، جعل من الجيش الأفغاني هشاً أمام مقاتلي طالبان الذين سيطروا على المدن من دون أي مقاومة.
عشية دخول مقاتلي طالبان العاصمة كابل، كان جنود قندهار الأفغان يصرخون من الفساد الذي تسبب في نقص الدعم، ويتسولون البطاطس كغذاء لهم، ما جعل الجوع والتعب ينهكهم، ناهيك عن عدم حصولهم على رواتبهم، أو علاج جرحاهم.
وصف الجنرال البريطاني السابق، تشارلي هربرت، الذي عمل مستشاراً للجيش الأفغاني ما جرى من قبل إدارة الرئيس بايدن في الأشهر الأخيرة، بأنه «أشبه ما يكون بتدريب رجل على القتال وعيناه مفتوحتان، ثم عَصْب عينيه قبل مباراة النهاية».
أدرك الجيش الأفغاني أنه مقضي عليه وبائس دفعة واحدة، وذلك عندما غابت قوات الدعم الجوي التابعة للناتو، والتي بدونها لم يكن للجنود الأفغان التقدم خطوة واحدة على الأرض.
على الجانب المقابل يعن لنا أن نفكر بصوت عالٍ، هل غفلت واشنطن عن تكتيكات طالبان الاستراتيجية لها، أم تغافلت؟
لو كان الأمر من قبيل الغفلة فتلك كارثة، ولو كان من قبيل التماهي، فنحن إذن أمام سيناريوهات استقبالية قد تقود العالم إلى فوضى، عبر التلاعب بجماعات الإسلام السياسي مرة أخرى.
اتسمت جماعة طالبان بالذكاء الاستراتيجي في استخدام العنف، وذلك بضبط النفس للتأثير على التقييمات العسكرية لقدراتها، ولتشجيع عمليات الانسحاب السريع.
يوجه كبير المحللين للشأن الأفغاني في مجموعة الأزمات الدولية، أندرو واتكينز، اتهامات قاسية لإدارة بايدن بقوله: «ما تغير بين فبراير (شباط) 2020 وإعلان الرئيس بايدن الانسحاب، كان وقف الضربات الجوية الأميركية التي كانت تلحق خسائر جمة بمقاتلي طالبان». هل منحت واشنطن طالبان فرصة الفوز بالشرعية، وإن كان ذلك كذلك فلماذا، وكيف؟