هل جاءت زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله الأيام القليلة الماضية إلى مصر لتؤكد ما هو مؤكد، ولترسخ ما هو متجذر بالفعل بين القاهرة والرياض عبر عقود طوال من قناعات بأن هناك مصيراً مشتركاً يتجلى في أخوة إنسانية وشراكة محورية؟تاريخياً لم تقوَ الأمة على مواجهة الصعاب إلا حين اشتد عود السعودية ومصر وتضافرت جهودهما معاً في وجه خطوب الزمن، والعكس أيضاً صحيح ولا بد من مصارحة النفس به، أي أنه لم يعترِ الجسد العربي الضعف إلا حال خلافهما.
من غير تهوين أو تهويل، يمكننا القول إن العلاقات السعودية - المصرية تعيش فترة ازدهار ونضوج غير مسبوقة، وسط حالة من تنامي الإدراك العاقل لما يجري على صعيد المسكونة وساكنيها، لا سيما في أوقات الفراغ الاستراتيجي الدولي الآني، حيث سيناريوهات المخاوف مشرّعة على كل الأبواب، والتطورات المثيرة والمتلاحقة تجري بها المقادير، فتسمع قعقعة السلاح تارة، وهمس الكواليس المغلقة تارة أخرى، وبين هذا وذاك تسود العالم جائحة وبائية غير مسبوقة، لا يعلم إلا الله وحده إلى أين مداها أو متى منتهاها.
جاءت زيارة الأمير فيصل بن فرحان إلى القاهرة، وسط ارتباك أممي عالمي؛ ارتباك لم يوفر إقليم الشرق الأوسط عمداً أو عرضاً، ما يستلزم تبين الخطوط وتخليص الخيوط بعضها من بعض، من أجل القفز على الفخاخ المنصوبة في السهل والوادي، ومداواة الجروح الثخينة التي أصابت الجسد العربي من جراء زمن الربيع المغشوش، ذاك الذي لم يلد سوى الشقاق، ولم يورث إلا الفراق، وترك النسيج المجتمعي العربي ممزقاً، وفي حالة يرثى لها.
تأتي الزيارة في أجواء لا تخفى عن أحد، حيث مصر تكاد تشهد فصلاً جديداً من فصول التضييق وشد الأطراف، والغرض لا يغيب عن أعين المحلل السياسي العارف بتاريخ المحروسة وأقدارها مع كل حقبة تنموية تطفو فيها على السطح، ومع كل مرحلة تاريخية يظهر فيها قائد كاريزماتي يلتف من حوله المصريون، وكيف تتضافر قوى الشر العالمية والإقليمية من أجل القضاء على تجربته، وكأنه غير مسموح للكنانة أن تحيا في عزة وكرامة مرة وإلى الأبد.
في هذا السياق يبدو ما يجري على الغرب من مصر المحروسة واضحاً وضوح الشمس في كبد السماء، فالإرهاب الذي طرده المصريون من الباب في 30 يونيو (حزيران) 2013، هو عينه الذي يحاول الرجوع الآن مرة أخرى من الشباك الإردوغاني الليبي.
أدركت المملكة العربية السعودية بحسها السياسي وبمشاعرها الأخوية تجاه الشقيقة مصر، أن هناك ما يدبر بليل بهيم، ولهذا كان الموقف السعودي واضحاً وقاطعاً، وهو تأييد إعلان القاهرة بشأن ليبيا، أي مبادرة الرئيس السيسي في السادس من يونيو الماضي، والتي سعت إلى حل سياسي للأزمة الليبية ووقف إطلاق النار وحقن الدماء، والمحافظة على وحدة الأرض الليبية، بما تقتضيه المصلحة الوطنية في ليبيا.
والشاهد أن الموقف السعودي من المخاطر التي تتهدد مصر كان حاسماً وحازماً، ما يبين صدق ما نقول به من توجه الأشقاء والشراكة المحورية في وقت الأزمات العصيبة، إذ أكدت المملكة أن أمن جمهورية مصر العربية جزء لا يتجزأ من أمن المملكة العربية السعودية، والأمة العربية برمتها، وأن المملكة تقف إلى جانب مصر في حقها في الدفاع عن حدودها وشعبها من نزعات التطرف والميليشيات الإرهابية وداعميها في المنطقة، وأن من حق مصر أيضاً حماية حدودها الغربية من الإرهاب.
موقف المملكة رجع صدى لا يتلكأ ولا يتأخر كذلك لما كان الرئيس السيسي قد صرح به مراراً تجاه أمن منطقة الخليج بصورة عامة، حيث استخدم تعبيره المشهور «مسافة السكة»، الذي يعني الاستعداد السريع للتحرك في حال أي قارعة تقترب من المنطقة، ومن المملكة العربية السعودية بنوع خاص، حيث كان الرئيس السيسي قد أكد أن «أمن المملكة خط أحمر ومن صميم أمن مصر»، ما يعبر قولاً وفعلاً عن الموقف المصري الراسخ تجاه الأشقاء في المملكة، ويؤكد ما يربط الدولتين الشقيقتين من وحدة المصير.
المخاطر والمخاوف في الوقت الراهن ليست حكراً على مصر فقط، فالقوى الإقليمية غير العربية والتي لم تحمل يوماً وداً للعرب، لا تتوانى عن إلحاق الأذى بالجميع من خلال مؤامرات مستمرة ومستقرة، وما يجري في اليمن بنوع خاص يعبر عن ذلك بالحرف والروح.
وسط الأزمات المتراكمة، ناهيك مما يستجد منها، كانت المملكة العربية السعودية وبالشراكة مع الأشقاء في دولة الإمارات العربية المتحدة تنجح في التوصل إلى آلية جديدة للتسريع بتنفيذ اتفاق الرياض الذي تم توقيعه في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لاستنقاذ اليمن.
هنا لم تكن مصر بعيدة، فقد ثمّنت جهود المملكة وحرصها على تنفيذ الاتفاق ومبادرتها بطرح آلية لتسريع تنفيذ الاتفاق بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي، كما جاء في بيان وزارة الخارجية المصرية، عطفاً على الإعراب عن تقدير القاهرة لدور الإمارات الداعم للحل السياسي في اليمن والمكمل لجهود الأشقاء في المملكة.
أفضل التعبيرات التي وصفت تواصل القاهرة والرياض في الأيام الماضية، هو ذاك الذي أطلقه الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، باعتبار المشهد معركة تحصين للنظام الإقليمي العربي، تلك التي تتعزز بعد اتفاق المملكة العربية السعودية ومصر على تكثيف التعاون والتصدي لمحاولات دول إقليمية توسيع نفوذها على الساحة العربية.
تاريخياً ومنذ الزيارة الأولى للأب المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود إلى مصر عام 1946 تبقى العلاقة بين القاهرة والرياض جبهة الأشقاء الأقوياء في وجه محن الدهر الحاضر.