العيسى انتصار النور وانكسار الديجور

العيسى... انتصار النور وانكسار الديجور

العيسى... انتصار النور وانكسار الديجور

 العرب اليوم -

العيسى انتصار النور وانكسار الديجور

بقلم : إميل أمين

هذه شهادة غير مجروحة في حق الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، وخطبته يوم وقفة عرفة، التي ألقاها في الحجاج، وقد قدر لي الاستماع إليها، وهكذا فعل عدد بالغ من الانتلجنسيا حول العالم، لا سيما من غير المسلمين، سيما أن الهجوم الذي تعرض له الرجل المعروف بمواقفه الإيمانية والوجدانية، بتسامحه وعقلانيته، برحابة صدره وسعة أفقه، قد استفزت كذلك مراكز فكر دولية، ما وضع كلماته في ذلك النهار المبارك موضع التحقيق والتدقيق تحت الميكروسكوب.

عكست الخطبة رؤية تنويرية سعودية، رأت في الرجل الخطيب الذي يليق به حديث يوم عظيم، الأمر الذي يدعم مسيرة المملكة العربية السعودية في طريق انتصار النور، وهزيمة الديجور، وفي إعلاء شأن كل ما هو إنساني، وتعظيم كل ما هو بشري مشترك ووجداني.
أول ما لفت النظر في الخطبة الكريمة، فكر التعددية، والإيمان بطلاقة القدرة الإلهية في التنوع، وما وراء الأمر من حِكم ربانية، من خلال الإقرار بحقيقة مؤكدة، وهي أن الله سبحانه وتعالى أنزل الكتب وبعث الأنبياء والرسل معلمين لأممهم داعين إلى التوحيد وإفراد العبادة لله.
جاءت خطبة الشيخ الدكتور العيسى في وقت يموج فيه العالم بالخلافات والصراعات، تلك التي تكاد تدفع البشرية إلى مواجهة كونية، وقد أحسن في التذكير بقيم الإسلام السمح، وفي مقدم تلك القيم، البعد عن التنافر والبغضاء والفرقة، وداعياً إلى التواد والرحمة في التعاملات اليومية والحياتية.
أنفع وأرفع ما في رؤية الإسلام للبشرية بحسب الشيخ العيسى، أن روحه جامعة، تحمل الخير وتشمله للإنسانية جمعاء حسب تعبيره، ولا تقصره على المسلمين فحسب، وهذه رؤية مسكونية إن جاز التعبير، تبعد عن الرؤى الراديكالية المنطلقة من المحاصصات وادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة، بُعد السماء عن الأرض، ومن هنا يمكننا تفهم أبعاد التشريع الإسلامي بإنسانيته التي لا تزدوج معاييرها، ولا تتبدل مبادئها، فأحب الخير للجميع وألف بين قلوبهم.
الشيخ العيسى رجل مهموم ومحموم بكل ما يوفق ولا يفرق، وقد تابعناه في جولاته وصولاته، في أوروبا والولايات المتحدة، وحتى في آسيا مؤخراً، ووجد العالم فيه مثالاً للروح الإنسانية الوثابة للعالم الذي يظهر وجهاً براقاً للإسلام، وسواء كان ذلك في تعاملاته ولقاءاته مع أبناء إبراهيم من اليهود والمسيحيين، أو مع أصحاب المذاهب الوضعية من البوذيين، وقد نظر هؤلاء وأولئك لخطبته الأخيرة نظرة تقدير بالغة، ولا يذيع المرء سراً إن قلنا إن هناك مراكز دينية متقدمة حول العالم، وضعت هذه الخطبة كمنطلق وبداية لرحلة ومسيرة إنسانية وروحية مشتركة، في محاولة لاستنقاذ العالم من وهدة المادية ومن لفحة نار الكراهية وهجير العنف الذي ملأ العالم شرقاً وغرباً.
أجمل ما في شخصية عالم مثل الشيخ الدكتور العيسى، أن لا وقت لديه لمنازلة الجاهلين، أو الدخول في مهاترات تعلّي من ذكر الغافلين أو الحاقدين، الذين يسوءهم أن تمضي رياح التسامح والتصالح حول العالم، والذين لا تروّج بضاعتهم إلا في وسط الظلام والتناحر، وقديماً قالوا إن باعة الشموع يكرهون عودة التيار الكهربائي، إذ الرهان على ظلامية العقل، وضبابية النقل، هناك حيث الخفاء والخباء، التآمر والتخطيط لمستنقعات الكراهية والبغضاء.
خطيب يوم عرفة فارس مقدام، سعى ويسعى في طريق تصحيح الصورة التي تم تشويهها عمداً، والتي صدرت لعقود طوال عن العرب والمسلمين، وعن حتمية الصدام والصراع، كآيديولوجيات منحولة ذاتية التحقق، وإذ يدافع وينافح عن صورة الإسلام وحضارته، يمضي بشجاعة منقطعة النظير، وبتفان وإخلاص من لا يكترث إلا بالحق.
يبقى الغلو والتطرف من سمات المبتدعين ومن سار على شاكلتهم، وتظل الحاجة إلى التسامح من أجل مجتمعات تسودها قيم الاستقرار والسلام والتعاون والتكافل، بين كل الملل والنحل، والأعراق والمعتقدات، تفهم الآخرين واحترام خياراتهم العقدية والثقافية.
ولعله لا يفوتنا القول إن صدور الموافقة السامية الكريمة على قيام الشيخ العيسى عضو هيئة كبار العلماء، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي بالخطبة، أمر يؤكد على أن قيادة المملكة قابضة على جمر التغيير المصحوب بالتنوير، ما يتسق ورؤية 2030 التي تضع المملكة في موقعها وموضعها اللذين يليقان بها في عالم ما بعد الحداثة، حيث البحث عن الوئام والسلام، محل الحروب والبغضاء، ومن تكريم للإنسان، عوضاً عن اعتباره ترساً في ماكينة الرأسمالية المتوحشة.
خطبة يوم عرفة، أحيت فضيلة التسامح الغائبة عن معظم الآيديولوجيات التي بهرت مخيّلة الشعوب في الشرق الأوسط تحديداً خلال القرن العشرين، من القومية العربية، إلى الأصولية الدينية، مروراً بنزعة معاداة الإمبريالية والشيوعية والاشتراكية، وصولاً إلى الطائفية والشعبوية، الأمر الذي يجعل موسم الحج هذا العام فرصة للمراجعة الخلاقة والإيجابية.
العيسى رسم صورة مليئة بالنور هدمت جدار الديجور.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العيسى انتصار النور وانكسار الديجور العيسى انتصار النور وانكسار الديجور



ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 08:12 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

أفكار لتزيين واجهة المنزل المودرن والكلاسيكي
 العرب اليوم - أفكار لتزيين واجهة المنزل المودرن والكلاسيكي

GMT 05:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب
 العرب اليوم - دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 05:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 06:13 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

الضوء في الليل يزيد فرص الإصابة بالسكري

GMT 07:29 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

لبنان... الرأي قبل شجاعة الشجعان

GMT 11:29 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

هجوم سيبراني يستهدف مواقع حكومية إسرائيلية

GMT 19:16 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

الرجاء المغربي يخفض تذاكر مباريات دوري الأبطال

GMT 19:30 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.7 درجة يهز مقاطعة آنهوي شرقي الصين

GMT 18:31 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

الإعلامية رضوى الشربيني تستقيل من قناة CBC سفرة

GMT 06:13 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

إصابة 5 إسرائيليين إثر قصف بلدة غرب كريات شمونة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab