زمن بُناة الجسور خدمة للإنسانية

زمن بُناة الجسور خدمة للإنسانية

زمن بُناة الجسور خدمة للإنسانية

 العرب اليوم -

زمن بُناة الجسور خدمة للإنسانية

بقلم - إميل أمين

حين منحت مملكة النرويج عام 2021، رئيس رابطة العالم الإسلامي الشيخ الدكتور عبد الكريم العيسى، جائزة «باني الجسور»، كان ذلك تقديراً لقيامه بعمل استثنائي في تجسير العلاقة بين أتباع الأديان والحضارات، بإسهام رائع ملموس، وبوصفه قوة عالمية رائدة في مضمار الاعتدال ومكافحة الأيديولوجيات المتطرفة، وصوتاً واضحاً ومتميزاً للسلام والتعاون بين الأمم والأديان.

مرة جديدة قبل أن ينصرم شهر مايو (أيار)، كان الشيخ العيسى يؤكد أنه قوة تغيير وتنوير خلّاقة، على رأس رابطة العالم الإسلامي، ودورها الذي يليق بالمملكة العربية السعودية في زمن «رؤية 2030»، التي أرسى دعائمها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ورسم دروبها عبر الاعتدال والتسامح، ووسم طرقها بالتعايش الإنسانوي الخلاق.

في «نزل سانت مارتا»، في حاضرة الفاتيكان، مقر الإقامة الذي فضله البابا فرنسيس على سكن البابوات في القصر الرسولي، كان اللقاء المتسم بالود والمحبة الأخوية الفياضة بين الحبر الروماني الكاثوليكي، والشيخ العيسى رجل العلم والفقه الكبير، صورة الإسلام السمح.

استقبال فرنسيس للعيسى على هذا النحو، وبعيداً عن البروتوكولات الصارمة للكرسي الرسولي، أمر لا يمكن تفهمه أو استيعابه إلا في سياق التقدير الكبير والصادق، للدور الذي تقوم به رابطة العالم الإسلامي في مكة، والهادف إلى تعزيز أواصر الحوار الفعال والتفاهم الشفاف، عبر هدم جدران العداوات، وبناء مجتمع التعاون الإيجابي بين أتباع الأديان والثقافات.

ما الذي يجمع الرجلين الكبيرين في هذا الزمن الصعب، لا سيما في ظل تعاظم المخاوف من اندلاع حروب عالمية، واتساع رقعة الحروب العِرقية والدينية؟

معلوم أن كل ما له علاقة بالقيم المشتركة والتحالف الحضاري، وهو ما قد يراه البعض شعارات رنانة طنانة، غير أن الواقع العملي يخبرنا بأن تكريم الإنسان، والاعتراف بحقوقه، ونبذ الكراهية والتعصب الديني بين أهل الأديان، وتمهيد الطرق للتعايش السلمي وحسن الجوار، وإحلال ثقافة المحبة والتآخي عوضاً عن التطرف والتمذهب؛ كل هذه وغيرها الكثير تُعد في صميم القيم الإنسانية المشتركة.

العيسى رجل يشار له بالبنان، لا سيما أنه صاحب دعوة للحوار مع الثقافات المختلفة، من أجل التفاهم والتقارب الإنساني، وتصحيح المفاهيم المغلوطة، وصولاً إلى تجاوز حالات التوجس، والدين عنده ليس جزءاً من المشكلة، بل إنه أحد أهم أركان الحل، بحكم تقديره في الوجدان العام.

عطفاً على ذلك، فإنه يؤمن إيماناً عميقاً بدور قادة الأديان في صنع السلام، وعنده أن الإيمان الديني عقيدة، والانتماء الوطني هوية والتزام، والقيام بعمارة الأرض والحفاظ عليها مسؤولية، والإحساس بهذه المسؤولية من واقع إيمان وشعور بالمساءلة أمام الخالق، من أهم محفزات استدعاء المخاطر، وتغليب منطق الحكمة والتسامح المتبادل.

يدعو العيسى إلى ضرورة إدراك أن البشر مختلفون ومتنوعون، وهذه هي الطبيعة الحتمية للحياة التي نشأت بإرادة إلهية، وعلى الساعين في دروب الحقيقة أن يقدموها للآخرين في قالب الإهداء والتلطف والمحبة.

على الجانب الآخر، لا يبدو أن تاريخ حاضرة الفاتيكان، قد عرف بابا بانفتاح البابا فرنسيس على العالمين العربي والإسلامي منذ المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني (1962-1965) وحتى يومنا هذا.

فرنسيس الفقير وراء جدران الفاتيكان، لا يكف عن محاولات الانفتاح الجادة والمجدية على المعارف الخلاقة والموصولة بخريطة البشر والحجر، ومن هنا يتفهم المرء تواصله الوجداني مع العالم الإسلامي بما فيه من مثقفين ومفكرين ورجالات دين.

منذ اليوم الأول لحبريته، سعى البابا فرنسيس في طريق تحطيم جدران القلق من الآخر، والخوف من الشخص المغاير دينياً وثقافياً، لا سيما إذا كان من العالم الإسلامي، ما جعل شعبيته تزداد من يوم إلى آخر في المجالين الجغرافي والديموغرافي لمسلمي العالم.

لا يكف البابا فرنسيس عن إطلاق دعوات تعزز من الحوار وثقافته، لا سيما أن البديل الآخر هو المواجهة العنيفة الممزوجة بالألم والمخضبة بالدماء.

قدم البابا فرنسيس نماذج عملية تظهر قناعاته بكرامة الإنسان، هذه القيمة العالية والغالية، من دون تفريق عِرقي أو محاصصة طائفية، الأمر الذي تمثل في الكثير من المواقف، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

- دفاعه عن مسلمي الروهينغا المضطهدين، فقد قال ذات مرة: «إن إخوة أشقاء لنا في الإنسانية يتعرضون للقتل لا لشيء إلا لإيمانهم وعقيدتهم».

- ترفّعه عن التفريق وقربه من روح التجميع، فقد كان من الممكن له أن يستغل الحوادث الإرهابية التي جرت في أوروبا قبل عدة سنوات، وراح ضحيتها العشرات من الأبرياء، لكنه رفض المزايدة المفرغة من أي مشاعر دينية وإيمانية حقيقية، والتي تشاغب العنصريات وتياراتها المحدثة.

رفض البابا فرنسيس الربط المطلق بين الإسلام والإرهاب، وشدد على أن جميع الملل والنحل يوجد بها متطرفون ومتشددون، والتاريخ يحوي صفحات مؤلمة، لا بد من القفز فوقها، إن أردنا أن نقيم مجتمعاً عالمياً تصالحياً وتسامحياً.

لعل ما يجمع بين الشيخ العيسى والبابا فرنسيس، رفضهما التطرف والتزمّت القائم على شعوب مغشوشة، وقوميات زائفة، مغالية في التمحور حول الذات، ما يجعل منها قوارض أساسية عانت ولا تزال تعاني منها الأديان والأوطان.

يلعب البابا فرنسيس اليوم، ولا شك، دوراً محورياً ومركزياً، في التحولات والتغيرات الديناميكية الفكرية للقارة العجوز، والتي تمضي وراء رايات التطرف الأيديولوجي والدوغمائي القاتلين، وكأنها لم تستوعب خطايا القرون الوسطى، وكوارث النازية والفاشية، وها هي قاب قوسين أو أدنى من علمانيات جافة وراديكاليات ضارة.

تقع اليوم مسؤولية استنقاذ العالم على عاتق بُناة الجسور، إنها مسؤولية مشتركة من أجل حفظ القيم الإنسانية للأجيال القادمة.

ماذا في جعبة رابطة العالم الإسلامي والشيخ العيسى في المستقبل القريب؟ أغلب الظن الكثير من المبادرات التي تخدم الإنسانية وتنشر الوعي... إنه وقت بُناة الجسور.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زمن بُناة الجسور خدمة للإنسانية زمن بُناة الجسور خدمة للإنسانية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 19:56 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
 العرب اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 07:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"
 العرب اليوم - ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
 العرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة
 العرب اليوم - ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 22:55 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تتجه نحو اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 21:25 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

هوكشتاين يُهدّد بالانسحاب من الوساطة بين إسرائيل ولبنان

GMT 10:02 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

اثنان فيتو ضد العرب!

GMT 11:05 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد صلاح يعبر عن استيائه من إدارة ليفربول ويقترب من الرحيل

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab