ذات مرة من العقد الثاني من القرن العشرين، تحدث الرفيق الشيوعي الأشهر، فلاديمير لينين بالقول: "هناك عقود لا يحدث فيها شيء، وهناك أسابيع تحدث فيها عقود".. هل يجوز لنا أن نستعير ما قاله الرجل عن عالم السياسة والإمبراطوريات، لينسحب الكلام نفسه عن حال الأرض، وأهوال الطبيعة، ومجريات الكوكب الأزرق؟
تبدو الأيام الأخيرة وكأنها رجع صدى، لا يتلكأ ولا يتأخر لما قاله لينين، فمن زلازل مدمرة، إلى أعاصير مغرقة، وصولا إلى براكين محرقة، بات التساؤل: "ما الذي يغضب الطبيعة إلى هذا الحد، وهل باتت البشرية قولا وفعلا على حافة الهاوية المناخية، لا سيما من جراء ظاهرة تغير المناخ؟".
عدة ظواهر طبيعية، وضعت الإنسانية برمتها في موضع الضآلة أمام الكون المختل إيكولوجيا، وربما دفعته في طريق إعادة النظر لذاته المنتفخة الأوداج، مرة وإلى ما شاء الله، عسى أن يدركه شيء من التواضع، بعد أن كاد الغرور يذهب به، كما حال أقوام وحضارات، سادت وبادت.
جاء زلزال المغرب، ليضع العالم أمام العديد من التساؤلات، وفي مقدمها مدى قدرة العلم الحديث على التنبؤ بمواقع ومواضع حدوث تلك الضربات القدرية، والتي يصعب النجاة منها، إلا بسلطان.
حتى الساعة، ولسوء حظ سكان الكوكب، فإنه لا يمكن التنبؤ بمواقع ومواضع حدوث الاهتزازات الأرضية، وجل ما يمكن فعله هو محاولة تقدير فترات التكرار، اعتمادا على قوة الزلازل المختلفة، ولكن بعد ذلك يمكن أن يكون السلوك فوضويا، فقد يحدث على سبيل المثال لا الحصر زلزالان قويان في فترة قصيرة بنفس المنطقة، ومن ثم قد لا يحدث أي شيء لفترة طويلة.
أقصى ما يمكن فعله، هو تقديم دراسات عن الأنشطة الزلزالية المتوقعة في مناطق الفوالق الجغرافية، لكن ومن جديد من دون مقدرة تذكر على تحديد موعد حدوث القارعة، ولهذا تبدو ظاهرة الزلازل كارثية بكل المعايير.
على أن القراءات الأخيرة التي طرحها الهولندي، فرانك غريبتس، عن علاقة الكواكب والأفلاك، وبقية الأجرام السماوية، وطريقة اصطفافها، ومواقيت حدوث تلك الاصطفافات، ربما تفتح طريقا مستقبليا للبشرية للتنبؤ وبدقة بمواعيد وأماكن ثورة الأرض، حتى وإن كان هناك من ينكر عليه هذا الربط في الوقت الحاضر، إلا أن المرء يستبعد فكرة كونه عرافا أو مجرد "غاوي شهرة "، سيما بعد أن صدقت توقعاته عدة مرات، وزلزلزت الأرض زلزالها، وأخرجت أحمالها.
ولعل التساؤل المخيف المطروح بخوف ورعدة شديدين مؤخرا: "هل يمكن لمنطقة البحر الأبيض المتوسط، أن تشهد المزيد من تلك النوعية الكارثية للزلازل والتي أدهشت العلماء، سيما أنها تجيء منافية ومجافية لعلوم الجيولوجيا، وبيانات طبقات الأرض بفوالقها العتيقة، وصفائحها التكتونية المتغيرة؟".
علامة الاستفهام المتقدمة تشيء بالكثير من الشكوك، حول احتمالات التدخل البشري في صناعة بعض من تلك الهزات المرعبة، ومشاهد البرق الأزرق الذي سبق زلزالا تركيا والمغرب، يعزز رؤية المعتقدين بفكر المؤامرة، ويعطيهم مساحة واسعة للحديث عما جرى وما يمكن أن يجري في المستقبل المنظور، وفي كل الأحوال نعيد التكرار، إن لم يكن التاريخ مؤامرة، فإن المؤامرة قائمة في بطون التاريخ.
والشاهد أنه منذ فبراير شباط الماضي، حين ضرب الزلزال الجنوني تركيا والعراق، واليوم المغرب، بات على العلم الحديث أن يرتقي إلى آفاق أرحب، ويعتلي معارج معرفية أعلى، بحثا عن قرون استشعار تستنقذ البشر والحجر، من وهدة الأهوال المفاجئة، لاسيما تلك التي تحل بالليل البهيم، بالآمنين تحت ستر الظلام.
من الزلازل إلى العواصف، وقد رأينا تبعات العاصفة "دانيال" الهائجة والمائجة، في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، خاصة في ليبيا.
هذه العاصفة حكما موصولة بأزمة التغير المناخي، بأوجهها المتباينة والتي تصب جميعها في خانة تنغيص عيش الإنسان، جراء ما ارتكبت يداه من جرائم ضد الطبيعة عينها.
من النينو، مرورا بالاحتباس الحراري، وصولا إلى الغليان الذي حذر وأنذر منه الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش، سلسلة متصلة من التغيرات المناخية التي تزداد تبعاتها السلبية يوما تلو الآخر، برا وبحرا وجوا، ومن غير أمل في تغيير جذري من بشرية تصر على الانتحار بفعل انطلاقات الكربون في فضاء الأرض.
على مرمى حجر من مؤتمر "كوب 28 "، في أبوظبي، برعاية الأمم المتحدة لمناقشة شؤون الأرض المعتلة والمختلة مناخيا، لا يجد المرء هيئة عالمية أو آلية أممية لإدارة جهود تقليل الانبعاثات، بل محاولات طوعية منفردة على المستوى الوطني أو المحلي، فيما السباق على أشده جهة العودة لتفعيل دور الفحم، بعد القصور في إنتاج الكهرباء آسيويا وأوربيا، وأكلاف حرب أوكرانيا طاقويا تقف خلف الباب تشتهي أن تفتك بالجميع مناخيا.
ولكي تكتمل دروب الهاوية المناخية، رصدت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية منذ نحو أسبوعين، تدفقات للغازات من بركان "كيلاويا" في جزيرة "بيغ آيلاند" بهاواي، والتي تنفس سمومها في الفضاء الخارجي، وإن اقتصرت حاليا على الأرضية المحيطة بفوهة البركان، ما دعا لرفع مستوى التحذير من البرتقالي إلى الأحمر.
هل البشرية في حاجة إلى خلية لإدارة أزمات الكوكب المريض؟
المحزن، أن حال الخليقة يشبه بحارة على سفينة تتهاوى، وكل يجدف في ناحية مغايرة لصاحبه، ما يجعل من احتمالات الغرق أكثر من فرضيات النجاة.