الصين عظيمة مرة أخرى

الصين عظيمة مرة أخرى

الصين عظيمة مرة أخرى

 العرب اليوم -

الصين عظيمة مرة أخرى

بقلم : إميل أمين

عُرِفت الصينُ بحضارتها القديمة، والتي تعود إلى خمسة آلاف عام تقريبًا، والتاريخ زاخر بمفكّرين كبار من أبنائها بدءًا من الحكيم المؤسّس كونفوشيوس، مرورًا بالخبير الاستراتيجيّ الحربي الأشهر صن تزو، وصولاً إلى الفيلسوف منسيوس، وقد شهد القرن العشرون بنوع خاصٍّ صحوةً صينيّة، حتى وإن واجهتها عقبات.

يميل الصينيون كثيرًا جدًّا إلى التمحور حول معنى الصين في لغاتهم القديمة، وهي تعني "الملكوت الأوسط" أو "الملكوت المركزيّ"، ما يدلل على أهمية الدور الذي تلعبه بلادُهم وحضارتهم في التاريخ الإنساني عبر الزمان والمكان، في تقديرهم على الأقل.

عُرِفت الشخصية الصينية بالنظرة الكونفوشيوسية، أي تلك التي تتقبل فكرة الاختلاف، لكن ضمن الكل، وليس بالضرورة أن يؤدّي الاختلاف إلى الصراع والصدام، كما يميل المذهب الأرسطيّ الغربيّ.

ولما كانت الصين في العقود الأخيرة تمضي بقوة وثقة، فإن ذلك ألقى بظلاله على المستقبل والتساؤل: "هل تسعى الصين لتعود عظيمة مرة أخرى؟"
من البدهي للغاية أن التساؤل يستحضر الشعار الذي رفعه الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال حملته الانتخابية الرئاسية الأخيرة" MAGA أو جعل أميركا عظيمةً مرةً أخرى.

غير أنه من الواضح أن الأنساق هنا تختلف، وما ترتئيه إدارة الرئيس ترمب، لا يمكن بحالٍ من الأحوال أن يكون هو ما يسعى إليه الرئيس الصيني شي جين بينغ.
الاختلاف الرئيس بين النموذجين الأميركي والصيني، يتبدّى أول الأمر في طبيعة النظام السياسي، ذلك أنه وفيما لا يمكن بحسب الدستور الأميركي أن يبقى ترمب في البيت الأبيض أكثر من أربع سنوات، سوف تطبع ولا شك بأفكاره وترسم فيها السياسات وفقًا لأهوائه، يظلّ بينغ رئيسًا إلى مدى غير منظور وربما مدى الحياة.. ما الفارق؟

بلا شكّ، يمكن للمسار الأميركي أن يتعدّل ويتبدّل، من رئيس جمهوريّ مندفع، إلى آخر أكثر رصانةً واتّزانًا، أو تتحول الموازين لصالح الحزب الديمقراطيّ المنافس، وهذا معناه سياسات أميركية مختلفة وربّما مغايرة بالكلية.

لكن على الجانب الصيني، تبدو المسارات واضحةً والمدارات محلقة في الأفق العالميّ، يدعمها الحزب الشيوعيّ الصينيّ بقيادة بينغ، وبخريطة تعرف الصبر في طريق تحقيق الأهداف، وقديمًا قال "شوان لاي" رئيس وزراء الصين العتيد: "إن لدينا المقدرة على الصبر ألف سنة، ونحن نسعى لتحقيق هدف من أهدافنا".

في مقال أخير له عبر صحيفة "الغارديان البريطانية" يتساءل الكاتب الصحفي "ستيف تسانغ" عن ردّات الفعل لتوجّهات الرئيس ترمب العالمية، ومنها التعريفات الجمركية التي سيفرضها على العديد من الدول ومنها الصين، وهل يمكنها أن تعيق رحلة الصين لجهة العظمة مرة ثانية، أم على العكس من ذلك ستدفعها دفعًا نحو التمترس وراء الصف الوطنيّ وإحياء المشاعر القومية، ومن ثم تحقيق الحلم الإمبراطوريّ لكن بطريق مغاير لما درجت عليه الإمبراطوريّة الأميركية المنفلتة، والتعبير للمؤرخ الأميركي الشهير بول كيندي.

يَعِنُّ لنا قبل الجواب أن نشير إلى الأوضاع الجيوسياسية الصينية المعاصرة، وتأمل المشهد بهدوءٍ، ومن دون سخونة الرؤوس التي تُفقِد المرءَ قدرتَه على التفكير السديد.

المؤكَّد أن الصين تمضي في مسارَيْن إمبراطوريَّيْن متوازيَيْن، الأول اقتصاديّ والثاني عسكريّ، وهذا ديدن كافة الإمبراطوريات عبر التاريخ، إذ تنمو غالبًا بقوة في الداخل، حتى تحقق الاكتفاء الذاتيّ، ثم تتجه من فورها إلى الخارج، لتتمدد اقتصاديًّا، وخلال عقود تضحى مصالحها الاقتصادية منتشرة حول العالم، الأمر الذي يستدعي قوة عسكريةً تحمي تلك المصالح.

نجحت الصين في العقود الثلاثة الماضي، على صعيد بناء اقتصاد قويٍّ فاعل ينافس الاقتصاد الأميركي، وهناك الكثير من الآراء التي تقطع بأنه سيتجاوز مقدرات الاقتصاد الأميركي بالوصول إلى 2030.

تعمل الصين من خلال فكر الشراكة الجمعيّ، لا الاقتصاد الأحاديّ، وخير دليل على هذا الطرح، مبادرة الحزام والطريق، والتي تشرك فيها عشرات الدول حول العالم، على أمل إحياء طريق الحرير القديم، عطفًا على قدرتها الفائقة في تصدير السلع زهيدة الثمن، واجتذاب الاستثمارات من مختلف أرجاء العالم جراء الأيدي العاملة الرخيصة لديها.

من جهة أخرى لا يمكن لأحد أنّ ينكر أن الصين قد تعرَّضتْ في السنوات الخمس الماضية إلى عدة كبوات، منها نقص الطاقة الكهربائية اللازمة لإكمال المشروع الإمبراطوري الاقتصادي، عطفًا على فقدان ثقة كثير من بلدان العالم لا سِيَّما الدول الأوروبية الثقة في النموذج الصيني الذي تسبب في تفشي فيروس كوفيد – 19 عام 2019 والذي كبد البشرية خسائر فادحة على مستوى الأرواح والممتلكات.

غير أنه وسرعان ما استعادت الصين قدرتها من جديد، رغم الكوابح الغربية عامة والأميركية خاصة التي تقابلها في مسارها لجهة القطبية العالمية، حتى وإن لم تعلن عن تلك الرغبة.

في الوقت نفسه، فإنَّ المتابع لتطورات المشهد الصيني على الصعيد العسكريّ، يدرك وبقوَّةٍ أن هناك رؤيةً لعسكرة الإمبراطورية الصينية وجعل القوة طريقًا للعظمة مرة جديدة.

تبدأ مسارات القوَّة الصينية، من عند برنامجها النوويّ، والذي يتطلع لحيازة قرابة ألف رأس نوويّ، من طرز جديدة، قوية وفاعلة بحلول نهاية هذا العقد، وقد رسخ لديها من خلال التجربة الأوكرانيّة، أنه "ذل من لا سيف له"، وما كان لكييف أن تعيش تلك المهانة على يد القيصر بوتين، لو كانت قد احتفظت بترسانتها النووية التي ورثتها عن الاتّحاد السوفيتي، وباعتها بثمن بخس في تسعينات القرن الماضي، وبما لا يتجاوز 400 مليون دولار.

الدرب الآخر للصين العسكرية، هو البحر، وقد تعلمت من بريطانيا ولاحقًا الولايات المتحدة الأميركية، أنَّ مَن يسيطر على البحار، يؤمن جانبه من غدر الأشرار.
في هذا السياق تبدو الطفرات البحرية الصينية مثيرة لمخاوف الغرب، من عند حاملات الطائرات الصينية الحديثة، والتي تعمل بتكنولوجيا لا تقلُّ عن نظيرتها الأميركية بل ربما تتجاوزها، مرورًا بالغوَّاصات الخطيرة وآخرها الغواصة "تايب096" التي تعتبرها الولايات المتحدة كابوسًا نوويًّا يتهدَّدها.

تدرك الصين أن هناك مَن ينصب لها الفخاخ، سواء كان ذلك في منطقة جزيرة تايوان، أو في بحر الصين الجنوبيّ، لكنها تتجنب السقوط، حتى ولو أراد الآخرون إيقاعَها، وأن "ساعتها لم تأتِ بعد" لكنها آتية لا ريب فيها.

تبدو أعين الصينيّين شاخصة إلى فكر رئيسها الحالي "شي جين بينغ"، والخطوط التي رسمها للصين الحالمة بالعودة إلى أزمنة المجد الإمبراطوريّ، وبما يليق بهذا الملكوت، وقد حَدَّد عام 2049 أي الذكرى المئويّة لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، والهدف الإستراتيجي لشي جين بينغ، هو إعادة الصين إلى عظمتها وفق شروطها الخاصة واستعادة مكانتها العالمية التي يعتقد أنها تمتَّعتْ بها عبر التاريخ عندما كانت أكثر تقدما وثراء وأفكارًا وابتكارًا.

ما الذي يتبقَّى قبل الانصراف؟

التساؤل ولا شك عن الأزمة الديموغرافية التي تعيشها الصين، والتي ترجح تناقص عدد سكانها إلى قرابة الـ700 مليون نسمة خلال عقود، وهل يمكن لمثل هذا التراجع أن يؤثر على فكرة عظمتها، أم أنه يثري الطرح ذاته، من خلال عدد سكان أقل وحياة نوعية أفضل؟

إلى قراءةٍ لاحقة مكمّلة ومتمّة.

arabstoday

GMT 00:04 2025 الخميس ,20 آذار/ مارس

من روائع أبي الطيب (37)

GMT 00:04 2025 الخميس ,20 آذار/ مارس

سيناريوهات رفع الدعم عن الوقود

GMT 00:04 2025 الخميس ,20 آذار/ مارس

النظام الدولى فى انحدار

GMT 07:39 2025 الأربعاء ,19 آذار/ مارس

قيام الدولة: بالإرغام أو بالغلبة؟

GMT 07:33 2025 الأربعاء ,19 آذار/ مارس

أنفسنا أصابها الجفاف!

GMT 07:28 2025 الأربعاء ,19 آذار/ مارس

مدن البقايا

GMT 07:24 2025 الأربعاء ,19 آذار/ مارس

أتُراكَ تعرف نفسكَ؟

GMT 07:21 2025 الأربعاء ,19 آذار/ مارس

عبير الكتب: مناظرة الجابري

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصين عظيمة مرة أخرى الصين عظيمة مرة أخرى



إطلالات هدى المفتي تجمع بين الأناقة العصرية والبساطة

القاهرة ـ العرب اليوم
 العرب اليوم - حمادة هلال يكشف حقيقة وجود طلاسم في "المداح"

GMT 00:01 2025 الأربعاء ,19 آذار/ مارس

صور من رحلة لا تنسى

GMT 06:58 2025 الأربعاء ,19 آذار/ مارس

نوستالجيا رمضان!

GMT 07:17 2025 الأحد ,16 آذار/ مارس

مفاهيم خاطئة شائعة حول ديكور المنزل

GMT 02:04 2025 الأربعاء ,19 آذار/ مارس

أميركا تنفذ 10 ضربات على مناطق في اليمن

GMT 00:39 2025 الأربعاء ,19 آذار/ مارس

الهلال السعودي يقترب من تجديد عقد علي البليهي

GMT 00:01 2025 الأربعاء ,19 آذار/ مارس

ضغط داخلي لاستعجال خروج إيران من اليمن
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab