بقلم - خالد منتصر
علم اللوع الذى ذكره صلاح جاهين فى إحدى قصائده، يكاد يكون اختراعاً مصرياً بامتياز، فإذا استمعت إلى أى حوار بين اثنين من المصريين، سواء على مقهى بلدى أو على شاشة فضائية أو فى مدرج جامعى أو حتى فى قاعة مؤتمر علمى، تجده حواراً بين طرشان، والسبب ليس فى ضعف السمع، ولكنه فى ضعف المنطق، معظم حواراتنا لا تصل إلى نتيجة أو هدف أو تسهم فى تغيير أو تقدم، لأنها مليئة بالمغالطات المنطقية.
بحثت كثيراً عن كتاب يشرح لى هذه المغالطات المنطقية التى تسكن نخاع تفكيرنا كفيروس الإيدز، فيُفقدنا مناعة التحليل والتفنيد، لفهم المغالطات المنطقية، قرأت منذ سنوات كتاباً بديعاً يشخّص هذا المرض العضال بعنوان «المغالطات المنطقية» لعادل مصطفى، كتاب فلسفى جميل عن المنطق الذى يُحقّق فيه طلبة الثانوية درجات نهائية على الورق، أما فى الحياة فيحصلون على صفر الفشل الذريع، ويظل المصريون يفهمونه مثلما فهمه سعيد صالح فى «مدرسة المشاغبين» عندما فسر معناه بالواحد اللى بيقع ومايحطش منطق!
لا تُسقط رغباتك على الأشياء، ولا تجعل من أمانيك معياراً للحق، خذ البلاغة ولا تُؤخذ بها، وفرّق دائماً بين الخطابة والبرهان، تذوق لذة ونشوة السؤال!، قبل أن تدرس المنطق لا بد أن تضع هذه الكلمات نُصب عينيك.. هناك ثلاثون مغالطة منطقية شهيرة فى حواراتنا سنختار منها الواضح الصارخ، أولى هذه المغالطات المنطقية هى مغالطة المصادرة على المطلوب، ومعناها أنك تُسلم بالمسألة المطلوب البرهنة عليها من أجل البرهنة عليها! الجملة تحتاج إلى شرح: ببساطة أنت عندما تتحاور تفترض صحة القضية التى تريد أن تبرهن عليها، فتقول مثلاً «يجب إلغاء المواد غير المفيدة كالإنجليزية، لأننا نصرف فلوساً عَ الفاضى»!، أنت فرضت من البداية أن الإنجليزية غير مفيدة، وهذه مغالطة منطقية، لا بد أن نقول لحضرتك «ستوب» قبل أن تتوغل فى النقاش وكأنه قد حسم الأمر.
مغالطة أخرى شهيرة يقع معظمنا فيها، اسمها مغالطة المنشأ، فرغم أن سقراط قال: «اسمعوا الحقيقة ولو من شجرة بلوط»، ورغم أن قوة الفكرة فى المنطق الذى يزكيها، لا فى الأصل الذى ينميها، فى دليلها لا مصدرها، فإننا دائماً نصدّق الفكرة من وجاهة مصدرها، ونَمقُتها إذا كانت صادرة عن شخص نمقُته، ونخلط بين الموضوع والذات، وننسى أن الحجة تنهض على قدميها الخاصتين بها فقط! ودائماً نحن نقع فى فخ الاغتيال المعنوى للشخص، حتى نغتال فكرته، التى من الممكن جداً أن تكون صحيحة، فنقول هذا معارض، لأنه نشأ فى أسرة مفكّكة ومتزوج من امرأة متسلطة! أو نستنكر أن يلعب طفل بلعبة على هيئة خنزير، لأنه حيوان محرم علينا تناول لحمه.. إلخ.
التعميم مغالطة منطقية هى مصدر أمراض التعصّب والطائفية، فيكفى مثلاً أن نقول: «دمياطى أو منوفى أو دمنهورى»، حتى تستدعى إلى الذاكرة جميع أوصاف الذم من بخل وإنكار جميل وقسوة قلب لنلصقها بكل من يسكن هذه المدن أو يولد فى هذه المحافظات! وكذلك يكفى أن نذكر أتباع دين مختلف حتى تنهمر سلسلة الأوصاف المكروهة المنفّرة التى لو رأت عيباً فى فرد سحبته على المجموع!