تاريخ صلاحية الآنسة فلانة

تاريخ صلاحية الآنسة فلانة

تاريخ صلاحية الآنسة فلانة

 العرب اليوم -

تاريخ صلاحية الآنسة فلانة

بقلم -خالد منتصر

هل أخطأت «مها» الفتاة التى تخطت الثلاثين، وأعلنت على الفيسبوك رغبتها فى الزواج وشروطها فى العريس؟ فى رأيى أنها أخطأت فقط فى كلمة «أعرض نفسى»، فنحن لسنا فى سوق جوارى، إنما أنا أعذرها ومتفهم جداً الضغوط الاجتماعية المحيطة بها، وهى لم ترتكب جرماً، إنما هو المجتمع الذى برمج عقول البنات بأنهن سلع من الممكن أن تبور، وبأنها دائماً هى التى تنتظر ولا تبادر بأن تعلن حبها، مثل هذه المشكلة كان قد فجرها الكاتب توفيق الحكيم فى مسرحية «أريد هذا الرجل»، والتى جسدتها فاتن حمامة فى فيلم تليفزيونى قصير ضمن ثلاثية أخرجها سعيد مرزوق، أتذكر أن مشاهد عرض الزواج من فاتن حمامة على أحمد مظهر كانت صادمة للجمهور وجديدة على الذائقة المصرية، «مها» تريد الخلاص من كلمة العانس، تذكرت وأنا أستمع للفيديو الذى عرضته على صفحتها، عبارة: «العانس عقلها مش صغيّر دنيتها هى اللى صغيّرة»، إنها جملة حوار عبقرية كتبها الراحل الجميل أسامة أنور عكاشة فى مسلسل «امرأة من زمن الحب»، وذلك جاء وصفاً لحالة «لبيبة»، التى جسدتها الفنانة عبلة كامل بامتياز، المسلسل قديم، ولكن ما زالت هذه الجملة محفورة فى الذهن كالوشم، هذه الجملة برغم بساطتها، فإنها لخّصت العالم المعقد والغامض الذى تعيش فيه العانس المصرية، التى يتهمها الجميع بأنها حِشرية وفضولية وحسود، ما يجعلها تنعزل أكثر وأكثر وتدخل محارة الذات المؤلمة، تقتات أحزانها وتجتر إحباطاتها، فتتبدل أحلامها كوابيسَ وآمالها أشباحاً، وفى مجتمع يقسّم فيه النساء إلى نساء على الزيرو، ونساء نصف عمر ونساء كهنة، ويلصق على جبهة كل امرأة تاريخ صلاحيتها فى هذا المجتمع لا بد أن تكون العانس خارج المنظومة، وشخصاً غير مرغوب فيه، وعبئاً مؤجلاً لحين التخلص من مسئوليته.

العبقرية فى جملة «عكاشة» هى أن فى ثناياها الحل أيضاً، فالحل هو فى توسيع عالم هذه العانس وخروجها من محارة الانتظار المر اللانهائى، وأنا شخصياً أعتبر الكثيرات من العوانس ضحايا لحظة صدق مع النفس خيّرت فيها بين احترام كرامتها أو الإذعان لرغبات الزبون المسمى عريساً، فاختارت الكرامة أو العنوسة، والعنوسة فى مصر للأسف ليست سناً، بل هى فى المقام الأول إحساس، فنحن نرسم استراتيجية القضاء على لفظ آنسة، والبنت لا تزال على أعتاب العشرين، وأحياناً قبلها بكثير وينتقل هذا الإحساس أوتوماتيكياً إلى البنت التى تشارك فى إزالة آثار كلمة آنسة، فتساعد الأهل على تنفيذ هذه الاستراتيجية، فترتدى الحجاب إذا كانت الريح مواتية فى هذا الاتجاه، وتخلعه إذا كانت فى عكس الاتجاه، وتصبح الأفراح هى سوق التلات الزواجية، التى تعرض فيها مهارات البنات من رقص ولبس برضا الأم وطناش الأب!!.

العازب فى مصر غير العانس، فالمجتمع احتفظ للرجل بدور الصياد القديم الذى كان يؤديه وقت إنسان الكهف والباحث دوماً عن الفريسة، فهو الطالب، وهى المطلوبة، وهو الباحث، وهى المبحوث عنها، ومن هنا فهو ليس له تاريخ صلاحية محدد مثلها، وإنما هو من السلع المعمّرة، والمهلة الممنوحة له للاختيار بطول عمره كله، ووقت أن تطق فى دماغه، يقرر الجواز يتجوز، أما المسكينة ذات تاريخ الصلاحية المحدد كالبلوبيف واللانشون، والمختوم بختم المجتمع والعرف والتقاليد، فليس لها حق وترف الانتظار، فقطار الزواج توربينى لا يقف فى محطات، وعليها أن تنتظره فى الميعاد المناسب والمحطة المحددة وإلا فاتها القطار وظلت على رصيف الانتظار، وقد ضاعت عليها التذكرة وأصبحت غير قادرة حتى على التسطيح!!. المفهوم الروبابيكى الذى نتعامل به مع العانس هو مفهوم ضارب بجذوره فى تلابيب تفكيرنا وأرواحنا، وبنظرة سريعة على أمثالنا الشعبية نجدها تعبر عن هذا المفهوم خير تعبير، خذ عندك «ضل راجل ولا ضل حيطة». «الرجل بالبيت نعمة، ولو كان فحمة». «اخطب لبنتك وما تخطبش لابنك»، «اقعدى فى عشك لما ييجى اللى ينشك» إلخ. هذه الأمثلة وغيرها تدل على أننا حماة التراث بكافة أنواعه وملله ونحله، حتى البابلى، فمنذ ثلاثة آلاف عام وُجدت تلك العبارة على أحد آثار بابل «الفتاة التى تتزوج نملة أفضل من الفتاة التى تحيا وتموت وعلى قبرها كلمة عانس»، فهل كان كاتبها مصرياً هاجر إلى العراق؟!

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تاريخ صلاحية الآنسة فلانة تاريخ صلاحية الآنسة فلانة



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
 العرب اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 08:21 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

أحمد الفيشاوي يتعرّض لهجوم جديد بسبب تصريحاته عن الوشوم
 العرب اليوم - أحمد الفيشاوي يتعرّض لهجوم جديد بسبب تصريحاته عن الوشوم

GMT 07:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
 العرب اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 01:16 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

مسمار جحا

GMT 00:55 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

شراسة بلوزداد بعد مباراة القاهرة!

GMT 06:28 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

الكونغرس... وإشكالية تثبيت فوز ترمب

GMT 08:43 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

باكايوكو بديل مُحتمل لـ محمد صلاح في ليفربول

GMT 20:13 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

هزة أرضية بقوة 3.1 درجة تضرب الجزائر

GMT 20:28 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 5.1 درجة يهز ميانمار

GMT 09:28 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

كليوباترا وسفراء دول العالم

GMT 00:15 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وفاة ملاكم تنزاني بعد تعرضه الضربة القاضية

GMT 09:27 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

مطار برلين يتوقع ارتفاع عدد المسافرين إلى 27 مليونا في 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab