بقلم - خالد منتصر
فضحت الدراما هذا العام الفكر الداعشى بامتياز، وضربته فى مقتل، المهم أن الفضح كان درامياً وبسلاح الفن، تناول فنى محكم، غير زاعق، أمسك بتلابيب القضية، ووصل إلى النواة والجوهر دون ضجيج، الميزة فى دراما هذا العام التى تناولت داعش والداعشية، أنها لم تقدم الدواعش كشخصيات كارتونية خيالية فى ساحات قتال فقط، ولكنها قدمتهم داخل عائلاتهم ومع زوجاتهم وأبنائهم، وفى علاقات وتعاملات إنسانية، وأيضاً لم تقدمهم بصورة أهل الكهف ولكنها قدمتهم كمستخدمين لأحدث التقنيات، كمحترفى إنترنت وتصوير وإخراج أفلام على أعلى مستوى، لم يُقدَّموا كبلهاء وإنما قدمتهم نماذج على أعلى مستوى من الذكاء والخبث؛ هذا خلق المصداقية، وأيضاً خلق التفاعل والالتفاف حول تلك الأعمال، وباتت أعمال تلك العصابة الإجرامية تثير القرف والاشمئزاز، يلمس منها المشاهد مستقبله لو حكم هؤلاء البرابرة وطنه، ماذا سيفعلون به؟ وكيف سيتحول وطنه إلى خرابة وأطلال؟ شاهدنا عملية جلد النساء فى مسلسل «بطلوع الروح» والذى أدته الفنانة الكبيرة إلهام شاهين بروعة واقتدار، شاهدنا كمّ المهانة والانسحاق والذل الذى تعانيه المرأة فى ظل حكم هؤلاء السيكوباتيين، شاهدنا فى «العائدون» قتل الابن لأبيه وحرق المعارض وكمّ السمسرة والتضحية بالعملاء والتعطش للمال الذى يحكم الدواعش، شاهدنا فى «الاختيار» كيف يريدون تدمير مصر وحرقها لتأسيس دولة الخلافة على الأطلال وتلال الجماجم!
الأهم والأخطر من عرض الفكر الداعشى وتعريته وفضحه، كان فضح الداعشيين الذين يعيشون بيننا ويقاسموننا الطعام والشراب، جيران مسكن أو زملاء عمل أو أصدقاء عالم افتراضى، تجدهم غاضبين يكتبون بهستيريا وحماقة ولغة شتائم وسباب ضد هذا التناول الدرامى للدواعش، كان النصيب الأكبر من هذا الهجوم للفنانة إلهام شاهين. والمدهش أنه كان قبل المسلسل وقبل أن يشاهدوا لقطة منه! بدلاً من انتقاد ارتداء داعش لشارات تحمل لفظ الجلالة، يذبحون ويفجرون ويسحلون ويحرقون بها، ويبررون جرائمهم من خلالها وتحت ظلها، يهاجمون الفنانة التى جسدت إحدى شخصياتهم وارتدت نفس الشعار لكى تطابق الواقع! هم يريدون تزييف الواقع ويصيبهم الجنون عندما يشاهدونه على الشاشة، مَن المخطئ والمجرم؟ هل هى إلهام أم داعش؟؟! ياللعجب، بدلاً من أن تخجلوا من داعش وتصرفاتها فى الواقع، تتحولون إلى دواعش خلف الشاشات، نكتشف كل يوم أن هناك دواعش بيننا، لحاهم تنمو إلى الداخل، يرتدون أحدث البراندات وما زالوا يحنّون إلى زمن السبى والغزو! يستخدمون الكمبيوتر بينما يكفّرون البشر ويدافعون عن العلاج ببول الناقة! يضعون العطر ويشتاقون إلى الدم، المشاهد أدرك أن ما تفعله داعش على الشاشة يمثل واحداً على ألف مما يحدث على أرض الخلافة المزعومة من اغتصاب وهمجية وعدوانية، كائنات زومبى تتنفس، جثث تتحرك بريموت من زمن ما قبل اختراع النار! الفن هو سلاح كاشف للحقيقة فاضح للزيف والمزيفين وتجار الدين وسماسرة الكتب الصفراء من كارهى الحياة ومدّعى الفضيلة وحراس التخلف وسدنة الجهل.