الفيبروميالجيا

الفيبروميالجيا

الفيبروميالجيا

 العرب اليوم -

الفيبروميالجيا

بقلم - خالد منتصر

الفيبروميالجيا مرض لم يأخذ حظه من المناقشة فى مصر برغم المعاناة والألم والدموع التى يصرخ بها المرضى، يوم الخميس الماضى كان اليوم العالمى للفيبروميالجيا، حملات توعية فى العالم كله ولقاءات تليفزيونية وندوات علمية، لذلك سأحاول مشاركتكم لندعم هؤلاء المرضى.

وهذه سطور رسالة وجدتها فى أرشيفى وصلتنى من مريضة منهكة، مكتوبة بدمع الألم، رسالة هزتنى من الأعماق، كلمات المتألم أحياناً أكثر بلاغة وحزناً من الطبيب، أقتبس منها تلك العبارات بعفويتها وأخطائها الإملائية والنحوية: ذاك الشخص متقد الذهن.. الذى كان قادراً على تسجيل دليل الهاتف وقاموس الكلمات فى ذاكرته بسرعة البرق.. ذاك الشخص المرح.. الاجتماعى.. المسئول.. النشيط.. فجأة! وجد نفسه قد سُرق.. سُلبت منه كل هباته وصفاته المميزة.. وجد نفسه وكأنه لا يعرفها.. حطام شخص.. يصارع آلاماً تجلد جسده من كل اتجاه.. كل خلية فى جسده قد أصابها الشطط.. لم يعد شىء فيه يعمل كما عهده.. أصبح جسده خصماً عنيداً له.. ألم ووهن فى عضلاته.. آلام فى المعدة وارتجاع بالمرىء ومتلازمة القولون العصبى.. مثانة متوترة عصبية.. قلب يرتجف أو يفزع بلا سبب.. جسده مغلّف بجلد هو أشبه بمعطف من الشوك.. يؤلمه كل شىء.. حقاً كل شىء.. يزعجه الصوت والضوء والرائحة واللون والملمس.. لماذا تأبى أعصاب يديه أن تطيعه لتنقبض أو تنبسط! لماذا كل تلك البرودة فى أطرافه.. وسخونة فى مواضع الألم.. لم يعد جسده حتى قادراً على تنظيم حرارته. أيا وجع الرأس.. أليس لديك وطنٌ تشتاق إليه سوى هذا الرأس المسكين.. كم مرة استشعر الحرج حين صرخ صرخة مدوية بعد طعنة تلقاها من حيث لا يدرى.. ثم تحسسها.. فلم يجد سوى الألم والحيرة والخذلان.. أخبره الطبيب بأن عينيه لا عطب فيهما.. فلماذا لا يرى بوضوح! يؤلمانه.. فيظل يفركهما كطفل أنهك البكاء مقلتيه.. أصبح منتهى أمله أن يحصل على راحة مؤقتة من أوجاعه وعذاباته بالنوم.. والنوم يجافيه.. أرق مزمن.. ومتلازمة من مشكلات النوم المضطرب تجعله لا يستكين أبداً.. والأدهى.. عقل بات فى ضباب.. وذاكرة خائنة.. ناكرة لكل ما حمَّلها من أمانات.. غير قادر على المشاركة فى المناسبات الاجتماعية.. أو الاختلاط بالناس.. ودّ لو أنه قادر على الهرب.. الاختباء.. ينقر باب المساعدة.. تراه حاملاً كومة من الأشعات والتحاليل حائراً بها بين الأطباء بتخصصاتهم الشتّى... وعلى وجهه مسحة من الحزن ممزوجة بمرارة اليأس.. كيف لا.. والإجابة واحدة! «انت معندكش حاجة»، وأخيراً.. يتم تشخيصه بعد سنوات من التخبط بـ«الفيبروميالجيا» يظل المريض فى حالة من الذهول وعدم الفهم.. ما هذه «الفيبروميالجيا»؟ ويبدأ فى دوامة جديدة من تناول العقاقير المدمرة.. التى ربما كانت آثارها الجانبية أكثر خطورة من المرض ذاته.. والمضحك المبكى.. أنها لا تخفف الألم.. لا تساعد البتة! يحاول أن يبحث عن يد العون.. يد تنقذه من آلامه وسقوطه فى بئر من اليأس والاكتئاب يوماً بعد يوم.. فإذا به بدلاً منها يجد يداً تدفعه بقسوة.. متهمة إياه بالادعاء أو «الدلع» أو الإيحاء.. وبعضهم يقرر أن الفيبروميالجيا ما هى إلا مرض نفسى وأعراضه غير حقيقية.. يا الله! وماذا عن نقاط الألم الثابتة فى أجساد مرضى الفيبروميالجيا.. هل لدى من ينكرونه تفسير لها؟! سوى أنه مرض حقيقى.. وبدلاً من البحث عن علاج له.. ينكرونه ويزيدون جحيم معاناة المرضى جحيماً آخر من الإنكار والتكذيب! الفيبروميالجيا تلقى سهامها فى سن مبكرة.. فيُسلب المريض شبابه.. نجاحه.. علاقاته.. كل مظاهر بقائه حياً. كم من مريض فكر فى إنهاء حياته أو تمنى أن يصاب بمرض مما يعترف به الناس ليصدقوه ويتعاطفوا مع أوجاعه.. مريض الفيبروميالجيا لا يتنصل من واجباته أو يتهرب منها.. بل.. هو يتهرب مما قد يسعده أيضاً.. فقد أصبح محدود الطاقة.. ربما مجرد تحريك يديه لكتابة ملاحظة يستهلك طاقته بالكامل.. أصبح كل حلم مريض الفيبروميالجيا أن يُعترف به.. أن يتم الإقرار بأن أوجاعه حقيقية.. ألا يُكلف بما لا طاقة له به.. وإن كنتم عاجزين عن إيجاد ما يخفف أوجاعه.. فلا تزيدوها.. فقط بعض من الرحمة.. قد يساعده فى معركته التى فُرضت عليه بلا أمل فى بعض من الراحة.. أو أى نهاية.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفيبروميالجيا الفيبروميالجيا



GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 09:52 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

أحمد حلمي يكشف تفاصيل لقائه بتركي آل الشيخ وجيسون ستاثام
 العرب اليوم - أحمد حلمي يكشف تفاصيل لقائه بتركي آل الشيخ وجيسون ستاثام

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab