تُعد مطاردة الساحرات في أوروبا بداية من القرن الخامس عشر من أكبر وأخطر صور التفكير الخرافي وكيف يخلق هستيريا وجنوناً بين البشر حتى الساسة والنبلاء منهم! من أشهر تلك المطاردات والقصص المرعبة المخجلة والتي تندهش كشخص يرى التقدم الهائل في تلك المجتمعات الأوروبية، وتتساءل كيف لهذه المجتمعات المتحضرة التي دخلت الحداثة أن يزيف وعيها بمثل هذا الهراء، لكن هذا كان الواقع، ومهم أن نتعرف عليه حتى نعرف ونقدر ثمن التنوير الصعب، وأنه ليس مستحيلاً أن نلحق بقطار الحداثة إذا رغبنا وكانت لدينا النية. محاكمة ساحرات بندل (Pendle Witches) هي واحدة من أشهر المحاكمات المرتبطة بالسحر في إنجلترا، وقد وقعت عام 1612 في منطقة لانكشاير شمال إنجلترا.
تُعتبر هذه المحاكمة من أبرز الأحداث التاريخية التي تسلط الضوء على الهستيريا الجماعية والخوف من السحر في ذلك الوقت. الخلفية التاريخية لتلك المحاكمة قصتها عجيبة، فمنطقة بندل كانت معروفة بفقرها المدقع وتفشى الجهل والخرافات، والسحر فيها كان يُنظر إليه كسبب رئيسي للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية، مثل الفشل الزراعي والأمراض. في تلك الفترة، كانت حكومة الملك جيمس الأول تركز بشدة على القضاء على السحر، فقد نشر الملك نفسه كتاباً بعنوان Demonologie، ما زاد من الهوس بالخطر المزعوم للسحر، أحداث القضية كالتالي:
1- البداية: بدأت القضية باتهام فتاة تُدعى أليزون ديفايس (Alizon Device) في مارس 1612 بمحاولة استخدام السحر لإصابة بائع متجول يُدعى جون لو بالشلل، بعد مشادة بينهما.
2- التحقيق: تم القبض على أليزون مع أفراد عائلتها، بالإضافة إلى عائلة منافسة، وهي عائلة تشاتوكس (Chattox)، في قلعة لانكستر. التحقيق كشف عن مزاعم بوجود مجموعة من السحرة كانت تعقد اجتماعات سرية في «قلعة مامكن» لممارسة السحر الأسود.
3. الاتهامات:
وُجهت الاتهامات إلى 12 شخصاً، معظمهم نساء، بتهم تشمل استخدام السحر للتسبب في الوفاة والضرر.
المحاكمة:
جرت المحاكمة في قلعة لانكستر على مدى يومين في أغسطس 1612.
القاضي كان السير إدوارد بروملى، وهو قاضٍ صارم معروف بدعمه لمحاكمات السحر.
الاتهامات اعتمدت بشكل أساسي على:
اعترافات قسرية: خاصة من أليزون ديفايس، التي اعترفت بأنها «ساحرة».
شهادة طفل: طفلة عمرها 9 سنوات تُدعى جينيت ديفايس، التي أدلت بشهادة ضد عائلتها، ما جعلها عنصراً رئيسياً في المحاكمة.
الأحكام والتنفيذ:
من بين الـ12 متهماً، 10 أُدينوا بتهمة السحر وحُكم عليهم بالإعدام.
الإعدام تم عن طريق الشنق في غابة جالوز هيل بالقرب من قلعة لانكستر.
جينيت ديفايس، التي كانت شاهدة رئيسية ضد عائلتها، نجت وأصبحت جزءاً من التاريخ المأساوي لهذه القضية.
تُعتبر محاكمة بندل رمزاً للهستيريا الجماعية والخوف غير المبرر من السحر في العصر الحديث المبكر، وألهمت المحاكمة العديد من الكتب والمسرحيات والأفلام التي تناولت مواضيع السحر والخرافات، أما منطقة بندل اليوم فتُعد وجهة سياحية مرتبطة بتاريخ المحاكمات، حيث يمكن للزوار التعرف على القصة من خلال المعالم المحلية والمهرجانات.
هذه المحاكمة تسلط الضوء على كيف يمكن للجهل والخوف أن يؤديا إلى تدمير حياة الأبرياء، وتظل مثالًا على أهمية العدالة والتفكير العقلاني في مواجهة الخرافات.