بقلم : خالد منتصر
أن تقرأ عن فنانين تشكيليين من خلال عين محب ومتذوق لهذا الفن، شكّل تجربة تذوقه بنفسه من خلال قراءات وزيارات معارض وحب جارف له، فهي متعة حقيقية، النقد الأكاديمي أحياناً يغرق في المصطلحات المعقدة ويبعدك عن روح اللوحة، والناقد الفني ليس من الضروري أن يكون رساماً جيدا.
أحمد صلاح فتحي شاب خريج كلية طب بيطري وليس خريج فنون جميلة، لكنه مغرم وعاشق متيم للفن التشكيلي، قدّم في كتابه «زيارة إلى متحف الأبدية» الصادر عن دار ريشة، قراءة لرسامين وفنانين مصريين منهم المعروف إعلامياً مثل تحية حليم وإنجي أفلاطون وعبدالهادي الجزار، ومنهم الكثير من المظلومين إعلامياً مثل إبراهيم البريدي ولبيب تادرس وسعيد الصدر، ومنهم من ما زال يعطى وينتج لنا إبداعاً راقياً مثل محمد عبلة ومصطفى رحمة.
حكى المؤلف الكثير من الحكايات منها ما هو مرتبط بصقل الموهبة بالدراسة والسفر إلى الخارج للتفاعل مع الفن العالمي، مختار وسفره إلى باريس واشتراكه في معارض هناك، وتفاعله مع المدارس الفنية المختلفة، ومحمد عبلة وسفره إلى ألمانيا.. إلخ.
حكاية الأمير يوسف كمال الذى تبرع بالمال لإنشاء كلية الفنون الجميلة 1908 في درب الجماميز، ثم دعمه للخريجين الشباب وتأسيسه لجمعية الفنون الجميلة، حكاية رئيس مجلس الشيوخ محمود خليل، واقتنائه لوحات فان جوخ وجوجان ومونيه، حكاية تحية حليم ورهافة حسها وعشقها للقطط وعودتها من معرض ستوكهولم، عندما علمت بمرض قطها الحبيب.
إنجي أفلاطون التي ضحت بالثراء والأرستقراطية ودخلت اليسار واعتقلت، عبدالهادي الجزار ورموزه السريالية، مصطفى رحمة وتجربة مجلة «ماجد» التي صقلت فنه، طين الريف الذي منح «مختار» القدرة على النحت وإبهار العالم بتماثيله المصرية العالمية، حكاية رفضه لاستكمال التمثال النصفي للملك فؤاد، الفنان البريدي الذى صنع فنه من قصاصات القماش، حكاية فنان لا يعرفه المصريون هو لبيب تادرس الذي ظل في الكواليس حياً وميتاً، سعيد الصدر وعشقه لفن الخزف والجهد الذى كان يبذله هذا الفنان الراهب في محراب الفن لكي تخرج قنينة أو قطعة خزف إلى النور.
الكتاب بسيط بدون سطحية وسهل الهضم، لغته رشيقة بدون مصطلحات معقدة، مهتم بعرض الخلفية التاريخية والإنسانية لكل فنان، كتاب مهم لكل من يريد تلمس طريق البدايات في تذوق الفن المصري الحديث، لغة الكاتب نبوءة بميلاد روائي خلف سطور كتاب غير روائي، لذلك أنتظر منه روايته الجديدة.