بقلم - خالد منتصر
السرعة القصوى صفر، هى نفس فكرة تمرين الجرى فى المكان، حركة لا تفرز تقدماً، ولا تصنع مستقبلاً، «السرعة القصوى صفر»، الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، هو عنوان أحدث روايات الروائى أشرف العشماوى.
الرواية الجيدة هى الرواية التى تطرح المزيد من الأسئلة، وليست التى تطرح الإجابات القاطعة، ورواية «العشماوى» من هذا النوع الذى تقرأه فيشحنك بمزيد من الأسئلة المدهشة عن عدد من الأحداث والوقائع التى مرت عليك مرور الكرام من قبل وبلعتها أو تسللت إلى مسامعك دون فحص أو فلترة، أعتبرها شخصياً من أفضل ما كُتب.
وكما قلت فى حفل توقيعها ستكون برغم ذلك الأقل احتفاءً من الناحية النقدية الجادة وليس من ناحية عدد القراء أو الطبعات، هل السبب يعود للرواية أم للمناخ النقدى؟، رأيى الشخصى أنه يعود لفيروس يسكن جسد النقد عندنا، وهو القراءة الأيديولوجية لا الفنية، والتى تحاول تأطير وقولبة الكاتب ووضعه بالعافية فى انحياز سياسى مسبق، وأيضاً القراءة الرمزية الساذجة؛ فلان يرمز للرأسمالية المتعفنة، وفلانة ترمز لمصر، وعلان يرمز للاشتراكية.. إلخ.
موضوع النقد وأمراضه فى مجتمع ذى مزاج متحفظ ورجعى يحتاج مجلدات وليس مقالات، الرواية تعتمد فى الشكل على تكنيك الأصوات المتعددة التى تتناول نفس الأحداث من وجهات نظر متعددة، وهو تكنيك خادم للفكرة بشكل جيد، يخدم عليها المؤلف بمقاطع إذاعية من فترة ما قبل ٥٢ وما بعدها.
وهى مقاطع دالة وتدل على مدى التخبط والتناقض ما بين الواقع فى الشارع وخيالات الإعلام، صوت فهمى وصوت شكرى، الشقيقين التوأم، فهمى، اليسارى المتأثر بأفكار الجد، وشكرى، الإخوانى المتأثر بأفكار الخال، وهذا يطرح سؤالاً محيراً عن توأمة بعض تيارات اليسار والإخوان وهما المفروض فكرياً فى صراع!
وهذا موضوع يحتاج هو الآخر إلى مجلدات لفك شفرة اللغز، هناك صوت أمينة سعادة، التى تسكن هى الأخرى فى جاردن سيتى، بنت التاجر الرأسمالى الثرى، ومحور صراع الشقيقين، يفوز بقلبها فى النهاية الإخوانى، ولكن مصيرها ينتهى بمأساة نفسية واضطرابات وصراع داخلى مرير، هناك صوت حبشى، سمسار الإذاعات الأهلية، وصوت الإعلام البدائى وقتها، والحاشد الألعبان الفهلوى، الذى برغم لعبه على كل الحبال، فإنه يسجن متهماً بحريق القاهرة، ثم يصبح بوقاً لإعلام النكسة فيما بعد.
هناك ظلال وأطياف وألوان مصاحبة للجدارية الروائية مثل سفر فهمى لفرنسا وعودته مع زوجته الفرنسية ثم نهايته منكسراً مهزوماً، نصف أب ونصف عاشق، مثل رسم المؤلف لملامح عبدالناصر وخالد محيى الدين والبنا والهضيبى والسندى.. إلخ، كل هذا يجعل الرواية مسرحاً لتحليل أعمق وقراءة أكثر شمولاً من مجرد مقال، الرواية جميلة وتحتاج إلى مناقشة أوسع وندوات لا تتعامل معها كوجبة تليفزيونية، ولكن كإبداع فنى يحتاج إلى تفكيك وتحليل وتشريح.