سعدت بالملف الذى أصدرته مكتبة الإسكندرية عن الصحفى والمؤرخ الراحل صلاح عيسى، وهو تجميع للندوة التى أقيمت عنه بمناسبة ذكرى رحيله السابعة، وجمعت عددا كبيرا من محبيه، أقتبس من هذا الملف الثرى تلك الشذرات، وُلد صلاح عيسى فى 14 أكتوبر 1939م فى قرية بشلا بمحافظة الدقهلية، فى أسرة تنتمى إلى الطبقة المتوسطة.
كان والده موظفاً حكومياً ووالدته ربة منزل، وكان هو الابن الأوسط لثلاثة أبناء.تلقى صلاح تعليمه الابتدائى والإعدادى فى القرية، ثم انتقل إلى القاهرة، حيث تلقى تعليمه فى المرحلة الثانوية فى إحدى مدارس حى لاظوغلى.
تخرج فى المعهد العالى للخدمة الاجتماعية أوائل ستينات القرن العشرين، ثم عمل مشرفاً اجتماعياً فى عدد من قرى الريف المصرى، لكنه فُصل من عمله، وأُلقى القبض عليه عام 1965م.
وحين وجهت الحكومة المصرية الدعوة إلى المفكر الفرنسى جان بول سارتر لزيارة مصر اشترط لقبول الدعوة الإفراج عنه، فاستجابت السلطة فى ذلك الحين، وخرج صلاح عيسى ومن كان معه من الكُتَاب والشعراء والتشكيليين على هامش تلك الزيارة الثقافية المهمة فى فبراير 1967م.
وبعد عام تقريباً اعتُقل صلاح عيسى وظل بالسجن حتى عام 1971م. وقد تعرض للسجن مُدداً متباينة فى أعوام 1975م، و1977م، و1981م قبل أن تشمله فى نفس العام حملة سبتمبر الشهيرة فى أواخر عهد الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، مع عدد كبير من السياسيين والمثقفين ورجال الدين، الذين أفرج عنهم لاحقاً الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك.
فى كتاباته بوجه عام استخدم صلاح عيسى الملفات القضائية، والوثائق التاريخية، والأرشيفات الصحفية استخداماً بارعاًً، ولجأ إلى لغة أدبية امتاز بها على كثير من الأدباء، واتخذ من السخرية أسلوباً لتحليل الواقع وتقييمه، وتسليط الضوء على مواطن الخلل فيه، واستنباط ما ينطوى عليه من دروس وعبر، والتعلم من هزائمه وانتصاراته.
ويُلاحظ أن «المكان» له أهمية فى كتابات صلاح عيسى، وما خالجه فيه من ذكريات ومشاعر، كأماكن العمل التى تنقل بينها، والسجون التى حُبس بها، والقرية التى هجرها، والمدينة التى عاش وتعلم فيها، والأسرة التى انتمى إليها.
وفى رأى كثيرين من النقاد المعاصرين أن صلاح عيسى ليس ناقلاً للتاريخ، إنما كان يكتب التاريخ بشكل مختلف، وفق منهج يمزج السياسة بالاقتصاد والجغرافيا والواقع الاجتماعى حتى الفنى.
وقد تحرر من طابع الكتابة الأكاديمية، وتخلص من اللغة المتخصصة، وكتب للجمهور العام، وانفتح على كل التيارات الفكرية، وامتلك شجاعة الرأى، وممارسة المعارضة من أرضية وطنية، وجمع فى شخصه بين الإنسان والسياسى والصحفى والكاتب والمفكر، يحمل ملامح المركب المصرى كاملاً، الحزن والسخرية والرأى الرصين والعنيد أيضاً، أضف إلى ذلك درجة عالية من الاحتراف المهنى.
امتلك صلاح عيسى الثقافة والوعى والعلم والمعرفة والقدرة الموسوعية على التعامل مع قضايا التاريخ والواقع السياسى والثقافى، وهو الذى يثبت بجلاء أن الذى يترك بصمة فى المجتمعات هو الذى يمتلك تلك المعرفة الموسوعية.
ويعد الأستاذ صلاح عيسى من غير المتخصصين فى مجال التاريخ، لكنه أبدع كثيراً فى دراسة تاريخ مصر من حيث القضايا التى اهتم بها، ومن حيث المعالجة التى عالج بها تلك القضايا، ومن حيث اللغة التى استخدمها والثقافة الواسعة والعلم الواسع والإنتاج الفكرى الغزير الذى جعله فى مصاف المؤرخين الكبار فى تاريخ مصر.
والأستاذ صلاح عيسى ليس كاتباً فقط ولا نقابياً فقط ولا مثقفاً ولا كادراً سياسياً فقط، ولكنه يجمع كل ذلك، فهو من أصحاب مدرسة الكتابة التاريخية للجمهور، مثقف نبيل له إنتاجه الفكرى الغزير، ومُعارض من أرضية وطنية، قدم إنتاجاً ثقافياً مهماً يمثل علامة مضيئة فى تاريخ مصر.