من يدلني على دولة دينية فى العصر الحديث نجحت ونهضت اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، وأصبحت في ترتيب الدول الأكثر سعادة في العالم فله جائزة!!
هكذا كان التحدي ولم يدلني أحد أو يشِر مجرد إشارة إلى تلك الدولة الدينية التي اندمجت في الحضارة الحديثة وزاحمت الكبار في مجال العلم والاختراعات والتكنولوجيا، فالدول التي قامت على أساس ديني طائفي هي الأكثر فقرا، الأكثر تمزقا، الأكثر هجرة طاردة للسكان إلى الخارج.. إلخ، وغالبا ما تفتقد إلى بديهيات وخدمات الدولة الحديثة.
فشل الدول الدينية غالبا ما يرتبط بعدة أسباب رئيسية، تتمثل في التوتر ما بين الأيديولوجيا الدينية المحنطة المتكلسة غير القابلة للاجتهاد واحتياجات الدولة الحديثة، وعدم القدرة على التكيف مع التنوع والتغيرات المجتمعية، وكأنك ألبست طفلاً جاكتاً من الأسمنت لينمو بداخله!!.
أهم الأسباب التي قد تساهم في فشل الدول الدينية:
أولاً: غياب النظرة العلمانية الحداثية، وعدم الاعتراف بالفصل بين الدين والسياسة، فالدول الدينية تُخضع القوانين والسياسات لمبادئ دينية ثابتة، مما يعيق القدرة على التكيف مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية، يؤدي التداخل بين الدين والسياسة إلى إقصاء قطاعات واسعة من المجتمع التي قد تكون لها معتقدات أو رؤى مختلفة، ولا يسمح لها بعرض أفكارها لأنها ستتعرض لتهم التكفير والردة.. إلخ.
ثانياً: الدولة الدينية دستورها الأساسي التمييز والإقصاء.. الدول الدينية تميل إلى تفضيل فئة دينية معينة على حساب الآخرين، ما يخلق شعورا بالظلم والتمييز بين الأقليات الدينية أو المجموعات المخالفة، هذا التمييز غالبا ما يؤدي إلى صراعات داخلية وتفكك النسيج الاجتماعي.
ثالثا: الجمود الفكري.. والتمسك بتفسيرات دينية قديمة وعدم القدرة على مواكبة التطور، ما يخلق ضعفا في الابتكار وأنيميا في التقدم العلمي، الأنظمة الدينية غالبا ما تُقيّد حرية الفكر والتعبير، ما يعيق تقدم المجتمع.
رابعا: ضعف الكفاءة الإدارية.. بسبب الاعتماد على الولاء الديني، بدلا من الكفاءة المهنية في اختيار القيادات والمسؤولين، ما يؤدى إلى سوء الإدارة وانتشار الفساد، الدول الدينية غالبا ما تُدار بعقلية تسعى إلى تحقيق «شرعية دينية» على حساب الكفاءة.
خامسا: القمع والاستبداد.. الذي تبرره الدولة الدينية باسم الحفاظ على العقيدة أو النظام الديني، لأنها تتكلم باسم الله ومعها التوكيل الرباني ومفاتيح الجنة والتفسير الحصري للنص المقدس، القمع يعقبه فقدان الثقة بين الحاكم والمحكوم، مما يضعف استقرار النظام.
سادسا: عدم التركيز على التنمية الاقتصادية والاكتفاء بتبرير الأزمات الاقتصادية بنقص الدعوات الدينية وضعف الإيمان.. ما يضعف قدرة الدولة على تحقيق الرفاهية للمواطنين، الدول الدينية غالبا ما تكون غير قادرة على تطوير اقتصاد حديث وتكنولوجيا متقدمة.
سابعا: التدخلات الخارجية.. فالدول الدينية تواجه ضغوطا دولية بسبب سياساتها الأيديولوجية التي قد تتعارض مع القوانين الدولية وحقوق الإنسان، وهذا يجعلها حبيسة عزلة دولية أو تدخلات أجنبية تزيد من ضعف النظام.
الدول الدينية تفشل عادةً، لأنها تضع أولويات أيديولوجية فوق الاحتياجات العملية للشعب، النجاح فى إدارة دولة حديثة يتطلب نظاما يوازن بين الدين، وحقوق الأفراد، والتطورات العلمية والاقتصادية، وهو ما تعجز عنه الدول الدينية بسبب طبيعة نظامها الفولاذي الذي يقدس الماضي ويرفض النظرة المستقبلية.